الموضوع: جيوش الإسلام بقيادة عمرو بن العاص تفتح بلاد مصر.
الأحداث:
لما أتم المسلمون فتح معظم بلاد الشام وخاصة بيت المقدس توجهت همة الخليفة عمر بن الخطاب لفتح بلاد مصر، والذي شجعه على اتخاذ هذه الخطوة عدة أمور، منها:
أ ـ أن معظم فلول جيوش الرومان المنهزمة في دمشق توجهت إلى بلاد مصر، خاصة في وجود قائد روماني داهية، هو الأرطبون.
ب ـ أن عمرو بن العاص قد شجع الخليفة على فتحها مرغبًا فيها، وذكر خيراتها ونيلها وكثرة أهلها.
جـ ـ ما كان عند الخليفة من علم بأفضلية جند مصر ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهلها وبشارته بفتحها، كما ثبت ذلك في الصحيح: 'إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا؛ فإن لكم فيها ذمة ورحمًا'. فعندها قرر الخليفة عمر البدء في فتح مصر، فأمر عمرو بن العاص بأن يتوجه بجيوشه من أجنادين ـ وهي أقرب النقاط لحود مصر ـ فتوجه عمرو بن العاص بجيوشه حتى دخل العريش في 10 ذي الحجة سنة 18هـ، وصلى بها العيد، فكانت أول صلاة عيد في مصر.
· توجه عمر بعدها حتى وصل لمدينة الفرما، وهي باب مصر، فبرز له راهبا البلاد، وهما أبو مريم وأبو مريام، ومعهم الأرطبون القائد الروماني الشهير، ودار بين عمرو بن العاص وبين الراهبين حوار انتهى فيه عمرو لإمهالهم خمسة أيام للتشاور مع بقية أهلهم، ولما تشاوروا فيما بينهم اتفقوا على القتال، وخالفوا قائدهم العام المقوقس الذي غادرهم وتوجه إلى حصن بابليون، وخرج الأرطبون والراهبان ومن معهما لقتال المسلمين عند حصن بلبيس، وذلك بعد شهر من الحصار، وانتصر المسلمون انتصارًا باهرًا وقُتل الأرطبون.
· زحف المسلمون بعدها إلى حصن أم دنين [مكان حديقة الأزبكية الآن]، وهو حصن منيع شمال حصن بابليون، فوجدوا حامية كبيرة رومانية، فأحدث المسلمون بهم مقتلة عظيمة، وتوقع الروم عندها أن عمرو بن العاص سوف يتوجه مباشرة نحو حصن بابليون، وهو أقوى حصون مصر ووقوعه يمثل فتح مصر، ولكن عمرو بن العاص توجه غربًا، فعبر النيل، وكأنه يريد أن يوهم العدو أنه منصرف إلى بلاد النوبة، وزاد في مناورته فاتجه جنوبًا ناحية الفيوم، ثم استدار ليهجم على الحصن من ناحية الجنوب، ولكنه فوجئ أن الروم قد أرسلوا إمدادات ضخمة لمصر، فعندها لزم عمرو الصحراء في الفيوم، فلم يبرحها، واستجم قليلاً، وأرسل للخليفة عمر يطلب مددًا.
· أرسل الخليفة عمر بأربعة آلاف مقاتل، على رأس كل ألف رجل يقوم مقام الألف، وهم: المقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، والزبير بن العوام، ومسلمة بن مخلد. وبذلك أصبح جيش المسلمين اثني عشر ألفًا.
· عندها قرر عمرو بن العاص الهجوم على حصن بابليون، فضرب عليه الحصار شهرًا، ولما طال الحصار وضاق الأقباط أرسل المقوقس إلى عمرو يطلب منه مفاوضين للتباحث معهم، فلم يرد عليه عمرو مباشرة، وجعل رسل المقوقس ترى حال المسلمين وزهدهم وحياتهم، فنقلوا ذلك للمقوقس، فازداد منهم رعبًا! وألح على عمرو في أن يرسل إليه رسلاً للتفاوض، فأرسسل عمرو عشرة من خيرة رجاله، على رأسهم عبادة بن الصامت، وكان رجلاً أسمر طويل القامة، متين البنيان، فلما رآه المقوقس ارتاع من هيئته وهابه هيبة شديدة، ودار بينهما حوار طويل انتهى إلى الخيارات الثلاثة الحاسمة: الإسلام، أو الجزية، أو الحرب.
· شدد عمرو من حصاره على حصن بابليون, وطالت مدة الحصار، وقرر عمرو الهجوم الشامل، فهجم بكل قواته، وكان المسلمون في القتال منذ فترة جويلة، فجعل كثير من المسلمين يفر من الزحف، فجعل عمرو يزجرهم ويحثهم على القتال والثبات، فقال رجل يمني: 'إنا لم نخلق من حجارة ولا من حديد!' فقال له عمرو: 'اسكت؛ فإنما أنت كلب!' فقال له اليمني: 'فأنت إذًا أمير الكلاب!' فأعرض عنه عمرو، ونادى يطلب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا عنده، فقال لهم: 'تقدموا، فبكم ينصر الله المسلمين'، فقام الزبير بن العوام، وتسلق سور الحصن، ووقف على رأسه صائحًا بأعلى صوته: 'والله لا أعود حتى يفتح الله الحصن أو أذق مثل ما ذاق حمزة!' واقتحم الحصن، وصال صولة الأسد العاتي حتى خرج من الناحية الأخرى، وكبّر المسلمون وراءه، ودارت رحى حرب طاحنة، رأى المقوقس آلة لا طاقة له بها، فطلب الصلح بعد أن دخل أعداد كبيرة من المسلمين داخل الحصن، فأجابهم عمرو بن العاص للصلح، لذلك اختلف أهل العلم في أرض مصر: هل فتحت عنوة أم صلحًا؟.
· ومن مشاهد الفتح الباهرة أن عمرو بن العاص قد سلم اللواء لمولاه 'وردان'، وجعل على المقدمة ابنه 'عبد الله'، فأصيب عبد الله يومئذ بإصابات بالغة، حتى أخذ دمه يسيل من أنحاء جسمه، فلما اشتدت جراحه قال: 'يا وردان! لو تقهقرتُ قليلاً نصيب الروح [أي نرتاح]؟' فقال وردان وهو يتقدم: 'الروح نريد؛ الروح أمامك وليس خلفك!' فاهتز لهذه الكلمات عبد الله، واندفع يقاتل أعداء الله، وأبدى بطولة نادرة، أسعدت والده عمرًا كثيرًا.
· ومن الجدير بالذكر أن أهل مصر كانوا على الحياد في هذا القتال؛ وإنما تركوا الرومان يتقاتلون مع المسلمين، لما كان عندهم من غيظ وكره للرومان، ولطبيعة الشعب المصري الذي يميل للحياد، ثم السير في ركاب المنتصر.
· مالبث أهل مصر أن دخلوا في دين الله أفواجًا، وصاروا خير أجناد الدولة الإسلامية، واستطاعت حضارة الإسلام أن تهضم الحضارات المصرية القديمة التي ظلت صامدة أمام حضارات الغزاة السابقين، وصار المصريون عربًا خالصي العروبة والإسلام.
المراجع:
1 ـ تاريخ الطبري 2/115.
2 ـ فتوح البلدان 1/215.
3 ـ البداية والنهاية 7/92.
4 ـ النجوم الزاهرة ¼.
5 ـ الكامل 2/405
الأحداث:
لما أتم المسلمون فتح معظم بلاد الشام وخاصة بيت المقدس توجهت همة الخليفة عمر بن الخطاب لفتح بلاد مصر، والذي شجعه على اتخاذ هذه الخطوة عدة أمور، منها:
أ ـ أن معظم فلول جيوش الرومان المنهزمة في دمشق توجهت إلى بلاد مصر، خاصة في وجود قائد روماني داهية، هو الأرطبون.
ب ـ أن عمرو بن العاص قد شجع الخليفة على فتحها مرغبًا فيها، وذكر خيراتها ونيلها وكثرة أهلها.
جـ ـ ما كان عند الخليفة من علم بأفضلية جند مصر ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهلها وبشارته بفتحها، كما ثبت ذلك في الصحيح: 'إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا؛ فإن لكم فيها ذمة ورحمًا'. فعندها قرر الخليفة عمر البدء في فتح مصر، فأمر عمرو بن العاص بأن يتوجه بجيوشه من أجنادين ـ وهي أقرب النقاط لحود مصر ـ فتوجه عمرو بن العاص بجيوشه حتى دخل العريش في 10 ذي الحجة سنة 18هـ، وصلى بها العيد، فكانت أول صلاة عيد في مصر.
· توجه عمر بعدها حتى وصل لمدينة الفرما، وهي باب مصر، فبرز له راهبا البلاد، وهما أبو مريم وأبو مريام، ومعهم الأرطبون القائد الروماني الشهير، ودار بين عمرو بن العاص وبين الراهبين حوار انتهى فيه عمرو لإمهالهم خمسة أيام للتشاور مع بقية أهلهم، ولما تشاوروا فيما بينهم اتفقوا على القتال، وخالفوا قائدهم العام المقوقس الذي غادرهم وتوجه إلى حصن بابليون، وخرج الأرطبون والراهبان ومن معهما لقتال المسلمين عند حصن بلبيس، وذلك بعد شهر من الحصار، وانتصر المسلمون انتصارًا باهرًا وقُتل الأرطبون.
· زحف المسلمون بعدها إلى حصن أم دنين [مكان حديقة الأزبكية الآن]، وهو حصن منيع شمال حصن بابليون، فوجدوا حامية كبيرة رومانية، فأحدث المسلمون بهم مقتلة عظيمة، وتوقع الروم عندها أن عمرو بن العاص سوف يتوجه مباشرة نحو حصن بابليون، وهو أقوى حصون مصر ووقوعه يمثل فتح مصر، ولكن عمرو بن العاص توجه غربًا، فعبر النيل، وكأنه يريد أن يوهم العدو أنه منصرف إلى بلاد النوبة، وزاد في مناورته فاتجه جنوبًا ناحية الفيوم، ثم استدار ليهجم على الحصن من ناحية الجنوب، ولكنه فوجئ أن الروم قد أرسلوا إمدادات ضخمة لمصر، فعندها لزم عمرو الصحراء في الفيوم، فلم يبرحها، واستجم قليلاً، وأرسل للخليفة عمر يطلب مددًا.
· أرسل الخليفة عمر بأربعة آلاف مقاتل، على رأس كل ألف رجل يقوم مقام الألف، وهم: المقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، والزبير بن العوام، ومسلمة بن مخلد. وبذلك أصبح جيش المسلمين اثني عشر ألفًا.
· عندها قرر عمرو بن العاص الهجوم على حصن بابليون، فضرب عليه الحصار شهرًا، ولما طال الحصار وضاق الأقباط أرسل المقوقس إلى عمرو يطلب منه مفاوضين للتباحث معهم، فلم يرد عليه عمرو مباشرة، وجعل رسل المقوقس ترى حال المسلمين وزهدهم وحياتهم، فنقلوا ذلك للمقوقس، فازداد منهم رعبًا! وألح على عمرو في أن يرسل إليه رسلاً للتفاوض، فأرسسل عمرو عشرة من خيرة رجاله، على رأسهم عبادة بن الصامت، وكان رجلاً أسمر طويل القامة، متين البنيان، فلما رآه المقوقس ارتاع من هيئته وهابه هيبة شديدة، ودار بينهما حوار طويل انتهى إلى الخيارات الثلاثة الحاسمة: الإسلام، أو الجزية، أو الحرب.
· شدد عمرو من حصاره على حصن بابليون, وطالت مدة الحصار، وقرر عمرو الهجوم الشامل، فهجم بكل قواته، وكان المسلمون في القتال منذ فترة جويلة، فجعل كثير من المسلمين يفر من الزحف، فجعل عمرو يزجرهم ويحثهم على القتال والثبات، فقال رجل يمني: 'إنا لم نخلق من حجارة ولا من حديد!' فقال له عمرو: 'اسكت؛ فإنما أنت كلب!' فقال له اليمني: 'فأنت إذًا أمير الكلاب!' فأعرض عنه عمرو، ونادى يطلب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا عنده، فقال لهم: 'تقدموا، فبكم ينصر الله المسلمين'، فقام الزبير بن العوام، وتسلق سور الحصن، ووقف على رأسه صائحًا بأعلى صوته: 'والله لا أعود حتى يفتح الله الحصن أو أذق مثل ما ذاق حمزة!' واقتحم الحصن، وصال صولة الأسد العاتي حتى خرج من الناحية الأخرى، وكبّر المسلمون وراءه، ودارت رحى حرب طاحنة، رأى المقوقس آلة لا طاقة له بها، فطلب الصلح بعد أن دخل أعداد كبيرة من المسلمين داخل الحصن، فأجابهم عمرو بن العاص للصلح، لذلك اختلف أهل العلم في أرض مصر: هل فتحت عنوة أم صلحًا؟.
· ومن مشاهد الفتح الباهرة أن عمرو بن العاص قد سلم اللواء لمولاه 'وردان'، وجعل على المقدمة ابنه 'عبد الله'، فأصيب عبد الله يومئذ بإصابات بالغة، حتى أخذ دمه يسيل من أنحاء جسمه، فلما اشتدت جراحه قال: 'يا وردان! لو تقهقرتُ قليلاً نصيب الروح [أي نرتاح]؟' فقال وردان وهو يتقدم: 'الروح نريد؛ الروح أمامك وليس خلفك!' فاهتز لهذه الكلمات عبد الله، واندفع يقاتل أعداء الله، وأبدى بطولة نادرة، أسعدت والده عمرًا كثيرًا.
· ومن الجدير بالذكر أن أهل مصر كانوا على الحياد في هذا القتال؛ وإنما تركوا الرومان يتقاتلون مع المسلمين، لما كان عندهم من غيظ وكره للرومان، ولطبيعة الشعب المصري الذي يميل للحياد، ثم السير في ركاب المنتصر.
· مالبث أهل مصر أن دخلوا في دين الله أفواجًا، وصاروا خير أجناد الدولة الإسلامية، واستطاعت حضارة الإسلام أن تهضم الحضارات المصرية القديمة التي ظلت صامدة أمام حضارات الغزاة السابقين، وصار المصريون عربًا خالصي العروبة والإسلام.
المراجع:
1 ـ تاريخ الطبري 2/115.
2 ـ فتوح البلدان 1/215.
3 ـ البداية والنهاية 7/92.
4 ـ النجوم الزاهرة ¼.
5 ـ الكامل 2/405
عدل سابقا من قبل فجر النور في الأربعاء نوفمبر 25, 2009 4:19 pm عدل 1 مرات
الأربعاء يونيو 22, 2016 6:44 pm من طرف khaled
» القضاء الاداري يصدر حكما بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية
الثلاثاء يونيو 21, 2016 5:25 pm من طرف khaled
» جبتلكو سلسلة رويات رجل المستحيل المعروفة للتحميل المباشر
الإثنين ديسمبر 28, 2015 5:53 pm من طرف abazer
» العلاقات المصرية السودانية في عهد محمد علي وخلفاؤه
الجمعة يناير 17, 2014 10:28 am من طرف khaled
» انجولا وحظر الاسلام (1)
الخميس نوفمبر 28, 2013 12:21 pm من طرف Ibrahimovech
» التفسير الاقتصادي للتاريخ
الأربعاء يونيو 19, 2013 1:34 am من طرف khaled
» كرسي العناد ........ السلطة سابقا
الثلاثاء يناير 29, 2013 5:56 pm من طرف khaled
» جمهورية جزر القُمر الاسلامية الفيدرالية دراسة جغرافية
الأحد يناير 06, 2013 2:21 am من طرف khaled
» بعض الفروق السياسية بين المجلس العسكري الي حكم مصر بعد الثورة وبين الاخوان لما وصلوا للحكم
الأربعاء نوفمبر 28, 2012 6:14 pm من طرف khaled