تأسيس الإمبراطورية الألمانية
أدى انتصار بروسيا على النمسا إلى زيادة التوتر بينها وبين فرنسا. وكان الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث يخشى من أن قوة ألمانيا ستؤدي إلى قلب ميزان القوى في أوروبا. ولم يكن بسمارك في الوقت نفسه يخشى من خوض حرب ضد فرنسا, فقد كان يؤمن أن الحرب معها ستؤدي إلى توحيد الإمارات الألمانية خلف قيادة ملك بروسيا.
ولم ينقص لإشعال هذه الحرب إلا شرارة صغيرة. وقد حدث, ففي سنة 1870 عرض على الأمير ليوبولد أمير هوهنتسولرن وزيجمارينجن أن يعتلي العرش الإسباني, الذي كان قد شغر منذ ثورة عام 1868 في إسبانيا. عارضت فرنسا الترشيح وطالبت بضمانات لكى لا يعتلي أحد من آل هونتسولرن العرش الإسباني. ولدفع فرنسا إلى إعلان الحرب على بروسيا, تعمد بسمارك في الرابع عشر من يوليو (وهو يوم الباستيل العيد القومي للفرنسيين) نشر الحوار بين الملك فيلهلم والسفير الفرنسي في بروسيا الكونت بنيديتي, بطريقة مهينة لفرنسا.
حشدت فرنسا جيوشها وأعلنت الحرب في التاسع عشر من يوليو (أي بعد خمسة أيام). فبدت بمظهر المعتدي أمام الأمراء والملوك الألمان, فاندفعوا بنداء الوطنية والقومية إلى الاتحاد والتحالف مع بروسيا. حتى أن عائلة بسمارك دفعت بابنيها للاشتراك في سلاح الفرسان. وكانت الحرب الفرنسية البروسية في عام 1870 نصرا كبيرا لبروسيا. وتوالت انتصارات الجيش الألماني بقيادة الصقر هيلموت فون مولتكه انتصارا بعد انتصار. ووقعت المعارك الرئيسية في شهر واحد (بين 7 أغسطس و 1 سبتمبر), وهزمت فرنسا فيها كلها.
وأبرز ما ميز هذه الحرب هو التنظيم البارع على الجانب البروسي والاضطراب الكبير على الجانب البروسي. وفي النهاية اضطرت فرنسا إلى التنازل عن الإلزاس وجزء من اللورين, لأن مولتكه وجنرالاته كانوا يصرون على وضع فرنسا موضع الدفاع. وقد عارض بسمارك هذا الضم لأنه لم يكن يريد أن يجعل من فرنسا عدوا دائما.
حفل تتويج فيلهلم الأول إمبراطورا لألمانيا الموحدة
وبعد انتهاء الحرب تحرك بسمارك لتأمين الطريق نحو اتحاد ألمانيا. فتفاوض مع ممثلين عن الولايات الألمانية الجنوبية, عارضا تنازلات خاصة لضمان موافقتهم على الاتحاد. ونجحت المفاوضات, فأعلن الملك فيلهلم الأول إمبراطورا لألمانيا في الثامن عشر من يناير سنة 1871 في قاعة المرايا في قصر فرساي (للإمعان في إهانة فرنسا). وكانت الإمبراطورية الجديدة اتحادية تتكون من 25 ولاية (بما فيها الممالك والدوقيات الكبيرة والدوقيات والإمارت والمدن الحرة) والتي احتفظ كل منها ببعض السلطة. ولم يكن ملك بروسيا, كإمبراطور لألمانيا حاكما مطلقا على بقية ألمانيا بل كان كما أطلق عليه "الأول بين متناظرين". ولكنه كان يرأس البوندستاج الذي يجتمع لمناقشة السياسة المقدمة من المستشار (الذي يعينه الرئيس الذي هو الإمبراطور).
وفي سنواته الأخيرة ادعى بسمارك أن حروب بروسيا ضد النمسا وفرنسا إنما نشبت عن طريق تلاعبه بالإمارات المحيطة وفقا لخطته الكبيرة. وكانت هذه الرؤية مقبولة بين المعاصرين والمؤرخين حتى عقد الخمسينيات من القرن العشرين. وبالرغم من ذلك فقد بنيت هذه الرؤية على مذكرات بسمارك التي كتبها بعد عزله, والتي يضع نفسه فيها في مقدمة الأحداث. غير أن فكرة سيطرة وتحكم بسمارك في الأحداث الكبرى قد شكك فيها بعض المؤرخين ومن بينهم الجدلي أ. تايلور, التي خالف كل التفسيرات السابقة عليه بقوله أن بسمارك كان "قائدا هشا ذا سيطرة ضئيلة على الأحداث". ويرى كذلك أن موهبة بسمارك الكبرى كسياسي هي موهبته في طريقة ردود أفعاله على الأحداث حين وقوعها, وتحويلها إلى ميزة في صالحه.
مستشار الإمبراطورية الألمانية
بسمارك مستشارا لألمانيا
في عام 1871 منح بسمارك لقب "أمير فون بسمارك". وعين في نفس السنة مستشارا للإمبراطورية الألمانية الناشئة, بجانب احتفاظه بمناصبه في مملكة بروسيا كرئيس للوزراء ووزير للخارجية. وبذلك فقد كان بسمارك على درجة عالية من النفوذ والسيطرة على الشئون الداخلية والخارجية لألمانيا. وقد حدث في عام 1873 أن عزل بسمارك عن منصب رئيس الوزراء وعين مكانه ألبريشت فون رون, غير أن ذلك لم يدم طويلا فما لبث فون رون أن استقال لأسباب مرضية. وعاد بسمارك مرة أخرى ليكون رئيس للوزراء في بروسيا.
في السنوات التالية كانت أحد أهم أهداف بسمارك داخليا هو الحد من تأثير الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا. وربما كان ذلك بسبب خوف بسمارك من تأثير البابوات على المسحيين الكاثوليك الألمان واستخدامهم لفكرة عصمتهم في تحريك أتباعهم وجهة سياسية معينة, وخلق عدم استقرار عن طريق دق أسافين بين الكاثوليك والبروتستانت.
وقد حاول بسمارك دون نجاح أن يتوصل إلى تفاهم مع الحكومات الأوروبية الأخرى حين كانت هناك انتخابات بابوية جديدة في الفاتيكان. فالحكومات الأوروبية كانت ستوافق على مرشحين غير مناسبين, وسيدفعون كاردينالاتهم إلى اختيار بابا جديد غير مؤمن بفكرة التعايش بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا. وكانت بروسيا فيما عدا منطقة الراين أغلبيتها من البروتستانت, لكن كان هناك الكثير من الكاثوليك يسكنون في الولايات الجنوبية وخصوصا بافاريا. وبوجه عام فقد كان ثلث الألمان من الكاثوليك. وكان بسمارك يعتقد أن الكنيسة الكاثوليكية تحوز سلطة سياسية أكبر مما ينبغي, وكان قلقا أيضا من تكوين الحزب المركزي الكاثوليكي (وقد حدث هذا في سنة 1870).
وعلى هذا فقد بدأت حملة معادية للكاثوليكية معروفة باسم "الحرب الثقافية". فألغي القسم الكاثوليكي لوزارة الثقافة البروسية. وطرد اليسوعيون من ألمانيا في سنة 1872. وقام بسمارك بدعم اللوثرية والكنائس المعادية للكاثوليكية الرومانية القديمة. وسنت في سنة 1873 قوانين عديدة معادية للكاثوليكية الرومانية, فسمحت للحكومة الإشراف على تعليم رجال الدين الكاثوليك الرومان, وقللت من السلطات التأديبية للكنيسة. واشترطت مراسم مدنية لحفلات الزواج, التي تؤدى في الكنائس. لكن هذه الكنائس زادت من قوة الحزب المركزي الكاثوليكي, وتخلى بسمارك عن حملة "الحرب الثقافية" في عام 1878. ومات البابا بيوس في نفس العام وحل محله البابا ليو الثالث عشر الذي كان أكثر واقعية من سلفه.
وخرج بسمارك من هذه الحملة بكسب حليف جديد هو حزب الأحرار الوطني العلماني, الذي أصبح حليفا رئيسيا له في الرايخستاج. لكن في عام 1873 دخلت ألمانيا ومعظم دول أوروبا فترة "الكساد الطويل" حين انهارت سوق الأوراق المالية في فيينا, وعرفت هذه الأزمة بأزمة المؤسسين Gründerkrise. وهو الكساد الذي ضرب الاقتصاد الألماني للمرة الأولى منذ التنمية الصناعية الواسعة في الخمسينات بعد ثورة عام 1848.
ولمساعدة الصناعات المتعثرة أصدر بسمارك قرارات بإلغاء التجارة الحرة وفرض تعريفات وقائية, أضعفت الأحرار الوطنيين الذين كانوا ينادون بالتجارة الحرة والذين كان بسمارك يدعمهم منذ حملة "الحرب الثقافية". وهكذا انتهت الصلة بين بسمارك وبين الأحرار الوطنيين في سنة 1879 تقريبا. وعاد بسمارك لطلب الدعم وإنشاء الصلات مع القوى المحافظة ومن بينها الحزب المركزي الكاثوليكي.
وللحؤول دون دقوع مشاكل عنصرية بين الأقليات المختلفة مثل المجريين والنمساويين والفرنسيين, شرع بسمارك في محاولة "ألمنة" هؤلاء الذين كانوا يقطنون المناطق الحدودية الألمانية, مثل الدنماركيين في الشمال والفرنسيين في الإلزاس واللورين والبولندينن في الشرق.
ونهج بسمارك تجاه البولنديين سياسة عدائية مما ساعد ازدياد الإحساس بالتمييز القومي بين البولنديين والألمان, مما أدى إلى توتر العلاقة النفسية بينهم. وكانت فكرة بسمارك في هذا هو اعتقاده بأن الوجود البولندي في ألمانيا يمثل تهديدا للدولة الألمانية الوليدة.
وكانت من الأمور التي تثير قلق بسمارك هو ازدياد شعبية الحركة الاشتراكية في ألمانيا وانتشار أنصارها. فقرر في عام 1878 سن قوانين مناهضة الاشتراكيين. فمنعت التنظيمات والاجتماعات الاشتراكية, كما اعتقل الاشتراكيين وحوكموا في محاكم بوليسية. لكن على الرغم من ذلك فقد استمرت شعبية الاشتركيين بالتزايد, فنجحوا في الفوز بمقاعد لا بأس بها في الرايخستاج, حين رشحوا أنفسهم مرشحين مستقلين غير معلنين تبعيتهم لأي حزب, وهو ما كان يسمح به الدستور الألماني وقت ذاك.
فاتجه بسمارك إلى استخدام مبدأ "حارب عدوك بسلاحه", فشرع في التحول إلى الاشتراكية لمحاولة استرضاء الشعب وكسب تأييد الطبقة العاملة التي تمثل أغلبية الشعب الألماني. فشرع في سن قوانين تهدف إلى الإصلاح الاجتماعي, والتي تعتبر أولى القوانين الاشتراكية في أوروبا. ومن تلك القوانين التأمين الصحي على العمال في سنة 1883, التي تنص على أن يدفع العامل ثلثي مبلغ التأمين ورب العمل الثلث الباقي. ثم أضيفت قوانين التأمين ضد الحوادث في سنة 1884 ومعاشات التقاعد والتأمين ضد العجز الجسدي عن العمل في سنة 1889. كما حددت القوانين شروط عمل النساء والأطفال ونظمته إلى حد كبير. وبرغم هذه القوانين إلا أن الطبقة العاملة بقيت غير راضية عن حكومة بسمارك المحافظة.
أدى انتصار بروسيا على النمسا إلى زيادة التوتر بينها وبين فرنسا. وكان الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث يخشى من أن قوة ألمانيا ستؤدي إلى قلب ميزان القوى في أوروبا. ولم يكن بسمارك في الوقت نفسه يخشى من خوض حرب ضد فرنسا, فقد كان يؤمن أن الحرب معها ستؤدي إلى توحيد الإمارات الألمانية خلف قيادة ملك بروسيا.
ولم ينقص لإشعال هذه الحرب إلا شرارة صغيرة. وقد حدث, ففي سنة 1870 عرض على الأمير ليوبولد أمير هوهنتسولرن وزيجمارينجن أن يعتلي العرش الإسباني, الذي كان قد شغر منذ ثورة عام 1868 في إسبانيا. عارضت فرنسا الترشيح وطالبت بضمانات لكى لا يعتلي أحد من آل هونتسولرن العرش الإسباني. ولدفع فرنسا إلى إعلان الحرب على بروسيا, تعمد بسمارك في الرابع عشر من يوليو (وهو يوم الباستيل العيد القومي للفرنسيين) نشر الحوار بين الملك فيلهلم والسفير الفرنسي في بروسيا الكونت بنيديتي, بطريقة مهينة لفرنسا.
حشدت فرنسا جيوشها وأعلنت الحرب في التاسع عشر من يوليو (أي بعد خمسة أيام). فبدت بمظهر المعتدي أمام الأمراء والملوك الألمان, فاندفعوا بنداء الوطنية والقومية إلى الاتحاد والتحالف مع بروسيا. حتى أن عائلة بسمارك دفعت بابنيها للاشتراك في سلاح الفرسان. وكانت الحرب الفرنسية البروسية في عام 1870 نصرا كبيرا لبروسيا. وتوالت انتصارات الجيش الألماني بقيادة الصقر هيلموت فون مولتكه انتصارا بعد انتصار. ووقعت المعارك الرئيسية في شهر واحد (بين 7 أغسطس و 1 سبتمبر), وهزمت فرنسا فيها كلها.
وأبرز ما ميز هذه الحرب هو التنظيم البارع على الجانب البروسي والاضطراب الكبير على الجانب البروسي. وفي النهاية اضطرت فرنسا إلى التنازل عن الإلزاس وجزء من اللورين, لأن مولتكه وجنرالاته كانوا يصرون على وضع فرنسا موضع الدفاع. وقد عارض بسمارك هذا الضم لأنه لم يكن يريد أن يجعل من فرنسا عدوا دائما.
حفل تتويج فيلهلم الأول إمبراطورا لألمانيا الموحدة
وبعد انتهاء الحرب تحرك بسمارك لتأمين الطريق نحو اتحاد ألمانيا. فتفاوض مع ممثلين عن الولايات الألمانية الجنوبية, عارضا تنازلات خاصة لضمان موافقتهم على الاتحاد. ونجحت المفاوضات, فأعلن الملك فيلهلم الأول إمبراطورا لألمانيا في الثامن عشر من يناير سنة 1871 في قاعة المرايا في قصر فرساي (للإمعان في إهانة فرنسا). وكانت الإمبراطورية الجديدة اتحادية تتكون من 25 ولاية (بما فيها الممالك والدوقيات الكبيرة والدوقيات والإمارت والمدن الحرة) والتي احتفظ كل منها ببعض السلطة. ولم يكن ملك بروسيا, كإمبراطور لألمانيا حاكما مطلقا على بقية ألمانيا بل كان كما أطلق عليه "الأول بين متناظرين". ولكنه كان يرأس البوندستاج الذي يجتمع لمناقشة السياسة المقدمة من المستشار (الذي يعينه الرئيس الذي هو الإمبراطور).
وفي سنواته الأخيرة ادعى بسمارك أن حروب بروسيا ضد النمسا وفرنسا إنما نشبت عن طريق تلاعبه بالإمارات المحيطة وفقا لخطته الكبيرة. وكانت هذه الرؤية مقبولة بين المعاصرين والمؤرخين حتى عقد الخمسينيات من القرن العشرين. وبالرغم من ذلك فقد بنيت هذه الرؤية على مذكرات بسمارك التي كتبها بعد عزله, والتي يضع نفسه فيها في مقدمة الأحداث. غير أن فكرة سيطرة وتحكم بسمارك في الأحداث الكبرى قد شكك فيها بعض المؤرخين ومن بينهم الجدلي أ. تايلور, التي خالف كل التفسيرات السابقة عليه بقوله أن بسمارك كان "قائدا هشا ذا سيطرة ضئيلة على الأحداث". ويرى كذلك أن موهبة بسمارك الكبرى كسياسي هي موهبته في طريقة ردود أفعاله على الأحداث حين وقوعها, وتحويلها إلى ميزة في صالحه.
مستشار الإمبراطورية الألمانية
بسمارك مستشارا لألمانيا
في عام 1871 منح بسمارك لقب "أمير فون بسمارك". وعين في نفس السنة مستشارا للإمبراطورية الألمانية الناشئة, بجانب احتفاظه بمناصبه في مملكة بروسيا كرئيس للوزراء ووزير للخارجية. وبذلك فقد كان بسمارك على درجة عالية من النفوذ والسيطرة على الشئون الداخلية والخارجية لألمانيا. وقد حدث في عام 1873 أن عزل بسمارك عن منصب رئيس الوزراء وعين مكانه ألبريشت فون رون, غير أن ذلك لم يدم طويلا فما لبث فون رون أن استقال لأسباب مرضية. وعاد بسمارك مرة أخرى ليكون رئيس للوزراء في بروسيا.
في السنوات التالية كانت أحد أهم أهداف بسمارك داخليا هو الحد من تأثير الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا. وربما كان ذلك بسبب خوف بسمارك من تأثير البابوات على المسحيين الكاثوليك الألمان واستخدامهم لفكرة عصمتهم في تحريك أتباعهم وجهة سياسية معينة, وخلق عدم استقرار عن طريق دق أسافين بين الكاثوليك والبروتستانت.
وقد حاول بسمارك دون نجاح أن يتوصل إلى تفاهم مع الحكومات الأوروبية الأخرى حين كانت هناك انتخابات بابوية جديدة في الفاتيكان. فالحكومات الأوروبية كانت ستوافق على مرشحين غير مناسبين, وسيدفعون كاردينالاتهم إلى اختيار بابا جديد غير مؤمن بفكرة التعايش بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا. وكانت بروسيا فيما عدا منطقة الراين أغلبيتها من البروتستانت, لكن كان هناك الكثير من الكاثوليك يسكنون في الولايات الجنوبية وخصوصا بافاريا. وبوجه عام فقد كان ثلث الألمان من الكاثوليك. وكان بسمارك يعتقد أن الكنيسة الكاثوليكية تحوز سلطة سياسية أكبر مما ينبغي, وكان قلقا أيضا من تكوين الحزب المركزي الكاثوليكي (وقد حدث هذا في سنة 1870).
وعلى هذا فقد بدأت حملة معادية للكاثوليكية معروفة باسم "الحرب الثقافية". فألغي القسم الكاثوليكي لوزارة الثقافة البروسية. وطرد اليسوعيون من ألمانيا في سنة 1872. وقام بسمارك بدعم اللوثرية والكنائس المعادية للكاثوليكية الرومانية القديمة. وسنت في سنة 1873 قوانين عديدة معادية للكاثوليكية الرومانية, فسمحت للحكومة الإشراف على تعليم رجال الدين الكاثوليك الرومان, وقللت من السلطات التأديبية للكنيسة. واشترطت مراسم مدنية لحفلات الزواج, التي تؤدى في الكنائس. لكن هذه الكنائس زادت من قوة الحزب المركزي الكاثوليكي, وتخلى بسمارك عن حملة "الحرب الثقافية" في عام 1878. ومات البابا بيوس في نفس العام وحل محله البابا ليو الثالث عشر الذي كان أكثر واقعية من سلفه.
وخرج بسمارك من هذه الحملة بكسب حليف جديد هو حزب الأحرار الوطني العلماني, الذي أصبح حليفا رئيسيا له في الرايخستاج. لكن في عام 1873 دخلت ألمانيا ومعظم دول أوروبا فترة "الكساد الطويل" حين انهارت سوق الأوراق المالية في فيينا, وعرفت هذه الأزمة بأزمة المؤسسين Gründerkrise. وهو الكساد الذي ضرب الاقتصاد الألماني للمرة الأولى منذ التنمية الصناعية الواسعة في الخمسينات بعد ثورة عام 1848.
ولمساعدة الصناعات المتعثرة أصدر بسمارك قرارات بإلغاء التجارة الحرة وفرض تعريفات وقائية, أضعفت الأحرار الوطنيين الذين كانوا ينادون بالتجارة الحرة والذين كان بسمارك يدعمهم منذ حملة "الحرب الثقافية". وهكذا انتهت الصلة بين بسمارك وبين الأحرار الوطنيين في سنة 1879 تقريبا. وعاد بسمارك لطلب الدعم وإنشاء الصلات مع القوى المحافظة ومن بينها الحزب المركزي الكاثوليكي.
وللحؤول دون دقوع مشاكل عنصرية بين الأقليات المختلفة مثل المجريين والنمساويين والفرنسيين, شرع بسمارك في محاولة "ألمنة" هؤلاء الذين كانوا يقطنون المناطق الحدودية الألمانية, مثل الدنماركيين في الشمال والفرنسيين في الإلزاس واللورين والبولندينن في الشرق.
ونهج بسمارك تجاه البولنديين سياسة عدائية مما ساعد ازدياد الإحساس بالتمييز القومي بين البولنديين والألمان, مما أدى إلى توتر العلاقة النفسية بينهم. وكانت فكرة بسمارك في هذا هو اعتقاده بأن الوجود البولندي في ألمانيا يمثل تهديدا للدولة الألمانية الوليدة.
وكانت من الأمور التي تثير قلق بسمارك هو ازدياد شعبية الحركة الاشتراكية في ألمانيا وانتشار أنصارها. فقرر في عام 1878 سن قوانين مناهضة الاشتراكيين. فمنعت التنظيمات والاجتماعات الاشتراكية, كما اعتقل الاشتراكيين وحوكموا في محاكم بوليسية. لكن على الرغم من ذلك فقد استمرت شعبية الاشتركيين بالتزايد, فنجحوا في الفوز بمقاعد لا بأس بها في الرايخستاج, حين رشحوا أنفسهم مرشحين مستقلين غير معلنين تبعيتهم لأي حزب, وهو ما كان يسمح به الدستور الألماني وقت ذاك.
فاتجه بسمارك إلى استخدام مبدأ "حارب عدوك بسلاحه", فشرع في التحول إلى الاشتراكية لمحاولة استرضاء الشعب وكسب تأييد الطبقة العاملة التي تمثل أغلبية الشعب الألماني. فشرع في سن قوانين تهدف إلى الإصلاح الاجتماعي, والتي تعتبر أولى القوانين الاشتراكية في أوروبا. ومن تلك القوانين التأمين الصحي على العمال في سنة 1883, التي تنص على أن يدفع العامل ثلثي مبلغ التأمين ورب العمل الثلث الباقي. ثم أضيفت قوانين التأمين ضد الحوادث في سنة 1884 ومعاشات التقاعد والتأمين ضد العجز الجسدي عن العمل في سنة 1889. كما حددت القوانين شروط عمل النساء والأطفال ونظمته إلى حد كبير. وبرغم هذه القوانين إلا أن الطبقة العاملة بقيت غير راضية عن حكومة بسمارك المحافظة.
الأربعاء يونيو 22, 2016 6:44 pm من طرف khaled
» القضاء الاداري يصدر حكما بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية
الثلاثاء يونيو 21, 2016 5:25 pm من طرف khaled
» جبتلكو سلسلة رويات رجل المستحيل المعروفة للتحميل المباشر
الإثنين ديسمبر 28, 2015 5:53 pm من طرف abazer
» العلاقات المصرية السودانية في عهد محمد علي وخلفاؤه
الجمعة يناير 17, 2014 10:28 am من طرف khaled
» انجولا وحظر الاسلام (1)
الخميس نوفمبر 28, 2013 12:21 pm من طرف Ibrahimovech
» التفسير الاقتصادي للتاريخ
الأربعاء يونيو 19, 2013 1:34 am من طرف khaled
» كرسي العناد ........ السلطة سابقا
الثلاثاء يناير 29, 2013 5:56 pm من طرف khaled
» جمهورية جزر القُمر الاسلامية الفيدرالية دراسة جغرافية
الأحد يناير 06, 2013 2:21 am من طرف khaled
» بعض الفروق السياسية بين المجلس العسكري الي حكم مصر بعد الثورة وبين الاخوان لما وصلوا للحكم
الأربعاء نوفمبر 28, 2012 6:14 pm من طرف khaled