الانهيار الكبير
اسباب قيام وسقوط وحدة مصر وسوريا
(يحرم نقل هذ البحث الا باذن منى أنا صالح)
تلفن لى
0192924564
صالح أحمد عيسى
[]
الفهرس
مقدمة عامة
كيفية دراسة تجربة الوحدة والانفصال
فصل تمهيدي
العلاقات المصرية السورية قبل الوحدة
1 مركز سوريا في قلب المشرق العربي
2 تنسيق السياستين الخارجيتين لمصر وسوريا
3 ميثاق الدفاع المشترك بين مصر وسوريا
الباب الأول
اسباب دعوة سوريا للوحدة
تقديم
الفصل الأول
الأسباب الخارجية التي أدت إلى الوحدة
المبحث الأول : حلف بغداد
أولاً : كسر احتكار السلاح
ثانيا : ضغط حلف بغداد على سوريا
المبحث الثاني : مشروع ايزنهاور
أولاً : مؤتمر انقرة
ثانياً : الأزمة السورية
الفصل الثاني
العوامل الداخلية التي ساهمت في قيام الوحدة
المبحث الأول : الأحزاب السورية
أولاً : احزاب تقليدية محافظة
ثانياً : احزاب تقدمية ثورية
المبحث الثاني : دور الجيش في السياسة الداخلية لسوريا
ختام
الباب الثاني
دولة الوحدة 1958- 1961
تقديم
الفصل الأول
قيام الجمهورية العربية المتحدة
المبحث الأول : مفاوضات الوحدة
1 الوحدة أم الاتحاد
2 قيام الدولة الجديدة قانوناً
3 الأسس التي قامت عليها ج – ع- م ودستورها المؤقت
4 التكييف القانوني لنظام الدولة الاتحادي
المبحث الثاني : ردود الفعل التي أثارها قيام ج –ع- م
1 الاعتراف بالدولة الجديدة
2 رأي الدول الغربية – والمحيطة بسوريا – بالوحدة .
3 رأي الشيوعية الدولية والمحلية بالوحدة
4 الوحدة وقلب ميزان القوى في المنطقة
الفصل الثاني
تطور علاقات أجهزة دولة الوحدة
المبحث الأول : النظام السياسي 1- السلطات
المبحث الثاني : النظام الاقتصادي والإداري
ختام
الباب الثالث
الانفصال
تقديم
الفصل الأول
ملابسات الانفصال
المبحث الأول : ذرائع الانفصال وحججه
المبحث الثاني : صدى ونتائج الانفصال
أولاً : صدى الانفصال في العالم
ثانياً : نتائج الانفصال
الفصل الثاني
العوامل الرئيسية التي أدت إلى الانفصال
المبحث الأول : العوامل الرئيسية التي أدت إلى الانفصال
المبحث الثاني العوامل الثانوية
ختام الباب الثالث
ختام الكتاب
الملاحق
سجل تاريخي لأهم الأحداث التي تضمنها الكتاب
المراجع
1 العربية
2 الأجنبية المترجمة
3 الأجنبية
4 الوثائق والبيانات
5 المجلات والدوريات العربية والأجنبية
مقدمة عامة
كيفية دراسة تجربة الوحدة والانفصال
هل يجب على الفكر القومي أن يلتزم، في دراسته لتجربة الوحدة، بمجرد التصوير التاريخي لهذا الحدث ويقتصر على هذه المسؤولية التاريخية الخاصة، متناولا جوانبها العلمية فقط؟ أم يجب أن يتجاوز ذلك التصوير التاريخي لتلك الظاهرة متجهاً الى فهم التجربة ، ومعبراً في نفس الوقت عن معاناة الحس القومي الذي يقوم بالدرجة الأولى على فعل تقييمي؟
أن التصوير التاريخي فعل تسجيلي وصفي بحت. أما التصوير التقييمي فهو الخط الذي يمكن اتباعه في دراسة ظاهرة وحدة 1958. وهذا الخط يحمل في ذاته فهما قياسيا تقييميا في المقام الأول. اذ أنه هو الذي يكشف عن بقية التطور الكلي بما فيه من عوامل سلبية وعوامل ايجابية، تمتزج مع بعضها البعض موجهة حركة التغيير نحو الأهداف التي تطرحها فكرة القومية العربية، والوحدة أهم هدف آني لها.
وعلى ذلك فاهمال ذكر الأحداث التاريخية بترتيبها الزمني الصارم، يقابله تسجيل لأهم الأحداث لابراز الاتجاهات التي سادت في دولة الوحدة.
ذلك أن الوحدة التي قامت عام 1958 هي جزء من الثورة العربية الشاملة، هذه الثورة التي تتجه الى إنشاء المستقبل العربى، وتطرح نفسها كأداة للتاريخ العربي، ولا بد لها اذن من أن تعرف كل ما يعيق طريقها من الأدوات التي تحارب وصولا الى نقاط الضعف والوهن التي تصيبها، " أو من غرور وخداع للنفس ".
ومن كتبوا التاريخ العربى تجاوزوا وتجاهلوا ذكر العيوب، ودأبوا على الخوف من النقد، ولم تعلمنا عصور الانحطاط الا ذلك الكذب المنظم تحت ستار أخلاق النفاق، فنحن إما ألا نرى الا الخير كله، وإما ألا نرى الا الشر كله ".
انطلاقا من الفكرة السابقة فان بحثنا سيقتصر على ذكر الحوادث بترتيبها الزمني بالقدر الذي تخدم الفكرة الأصلية في طرحنا موضع الوحدة والانفصال على أساس تقييمي بحت. ولم نكن لنتبع هذا المنهج الجدلي لو لم يقع المؤرخون العرب والأجانب، على حد سواء بمغالطة خطيرة جدا، وهي أنهم حاولوا أن يؤرخوا بعد فشل التجربة، أي نكسة الوحدة وقيام الانفصال، لسنوات الوحدة، وسجلوا تاريخهم محوّرين فيه ومحولين الظاهرة الى قانون عام ينطبق على المستقبل العربي كله جملة وتفصيلا . نقصد أنهم حولوا ظاهرة الانفصال- وهي بلا أدنى شك عرضية وزائلة- الى قانون عام لفشل الوحدة التي قامت عام 1958، وبالتالي لأية وحدة ستقوم مستقبلا:
ان حركة التاريخ، وفي أحيان كثيرة، لا تكون تكرارا على الاطلاق ، بل وغالباً ما تكون تجاوزاً لحدث قائم .. وهكذا كان الانفصال تجاوزاً مؤقتاً وعرضياً لواقعة الوحدة.
ولم يكن الإنفصال أكثر من لحظة توقف لمسيرة طويلة للتاريخ العربي المعاصر والحديث. فمواقف الفشل و النكسات التي ألمت بالأمة العربية، هزت واقعها ونبشت في جذورها التاريخية والفكرية والحضارية، مستطلعة عن امكانيات جديدة تهديها طريق الخلاص، فصدمة الفشل تدفع لدى الشعوب الحية الى شئ من الدهشة الحزينة، الدهشة الممزوجة بالخوف. وعند ذلك لا بد أن تنبثق التساؤلات ثانية. ولن تنال هذه التساؤلات الأسباب المباشرة، بقدر ما تطرح الموقف الكلي لإنسان الحضارة على بساط اعادة النظر. فكما قيل أن الفلسفة نشأت من تأمل الموت، كذلك يمكن القول أن معرفة الذات تبدأ من توقف العمل ، من النكوص والارتداد، من الفشل ذاته ".
فالوحدة ، وإن كانت جزئية، قد قامت، والانفصال أصبح واقعا ملموساً في حياة الأمة العربية، واصطحب، معه موقف الدهشة الممزوج بالكثير من عوارض الخوف على مستقبل الأمة العربية، وقد طرح بالفعل الموقف الكلي لانسان الواقع العربي المعاصر. وبدأ الناس يدرسون الذات العربية، كل ذلك لتوقف العمل، بمعنى لتوقف الوحدة، وان مرحليا ، بارتدادها بفعل عوامل داخلية وخارجية الى حركة انفصالية. فهل الانفصال بحد ذاته تعبيراً عن فشل الوحدة والتجربة ؟
أم أن الوحدة شيء حي بذاته، والانفصال لحظة توقف اصطناعية لدم يسير في جسد الأمة العربية؟ وهل الخطأ في الوحدة كفكرة، أو الخطأ في الوحدة التي قامت عام 1958 كتجربة وتطبيق؟
الرد على الأسئلة السابقة يتحدد بالاجابة على أسئلة أخرى هي :
1- ما هي العوامل الخارجية والداخلية، التي أدت إلى قيام الوحدة متمثلة في الجمهورية العربية المتحدة في الثاني والعشرين من فبراير (شباط) عام 1958؟
2- كيف سارت الأمور داخل الدولة الوحدوية ومن حولها أثناء عمرها؟ وكيف واجهها العالم؟
3- ما هي العوامل التي أدت الى الانفصال قي الثامن والعشرين من سبتمبر (ايلول) عام 1961؟.
الكتاب بمضمونه الكلي يرد على الأسئلة الثلاثة السابقة.
محمد عبد المولى الزعبى
فصل تمهيدي
العلاقات المصرية السورية قبل الوحدة
ان تحديد تاريخ معين، لبداية العلاقات المصرية السورية ضرب من المستحيل لا يمكن ادعاؤه. بل ان هذه العلاقة قد قامت على مر العصور ومختلف الأزمان، وقبل أن تدخل الدولتان في رحاب الدين الإسلامي.
وما يهمنا في هذا المجال هو الالتقاء المباشر الذي قربته الظروف المتشابهة التي أحاطت بالبلدين، خاصة بعد قيام الثورة المصرية في 23 يوليو عام 1952، حيث أعلنت هذه الثورة عن اهـدافها وتبينها للدائرة العربية التي هي أهم دوائر السياسة الخارجية المصرية على الاطلاق (1).
أما متى برزت الشخصية العربية في مصر فهذا تاريخ لا ندعي بانه جديد على الإطلاق. ولكن ما يهمنا قوله هنا أن تجزئة البلاد العربية واقتسامها بين الانتدابين البريطاني والفرنسي قد أدت الى تثبيط العزائم بالتفكير في أي تعاون فعال فيما بين الدول العربية في فترة ما بين الحربين، ولذا راح زعماء مصر الوطنيون يتطلعون الى اتجاهات أخرى لضمان المساعدة لشعبهم (2). وخلال الحرب العالمية الثانية شعر الزعماء المصريون بحاجتهم الى اقتحام السياسات العربية عندما اتضح أن البلاد العربية ستحقق استقلالها، وستنظم نفسها في جامعة تكون وسيلة لاتحاد عربي، حتى ولو كانت تحت وصاية بريطانية. أن لمصر العديد من الأسباب التي تؤيدها في هذا الاتجاه أهمها أن تحول بين زعماء العرب الآخرين، ولا سيما الهاشميين، وبين انشاء دولة عربية كبيرة يتولى زعامتها الهاشميون، وبذلك لا تصبح تلك الدولة الموحدة موازنة لمصرفقط ، بل ربما فاقتها في قوتها. وهذا التفكير له ما يبرره منطقياً . كانت مصر تحصر همّها في التخلص من الاحتلال البريطاني، وكانت العائلة الهاشمية قد تعاونت مع الانكليز أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى، وإذا ما قامت دولة عربية متحدة بقيادة الأسرة ستكون عوناً لانجترا، وهذا ما يضعف موقف مصر من جلاء الاحتلال عن أراضيها.
قامت الجامعة العربية، وتولت مصر فيها دوراً قيادياً، وقامت حرب فلسطين في عام 1948 فاشتركت مصر فيها. وهذان الحدثان أبرزا شخصية مصر كبلد عربي على المستوى السياسي العملي وعلى المستوى النفسي، وهذا أهم المستويين (3).
وقامت ثورة يوليو لتعلن عن شخصيتها العربية بعد أن تخلصت من قوات الاحتلال. وانفتحت الثورة ذهنياً على من حولها فإذا بها تجعل " العناصر الثورية المتقدمة في الوطن العربي تتفاعل معها بعد أن كانت قد قاومت الانقلاب بالنسبة لاختباراتها السابقة مع الانقلابات العسكرية خاصة مع سوريا. وأدى هذا التفاعل المستمر الى تلقيح الانقلاب في مصر بالجانب الثوري التقدمي في الفكر العربي الحديث ( 4). أن تبنى سياسة الحياد الإيجابي بعد عقد صفقة الأسلحة التشيكية والاشتراك الفعال في معركة التحرر العربي " لم يكونا الا التعبيرين عن الذهنية المنفتحة على متطلبات الثورة العربية المعاصرة (5). " ونرى أن الحركة العسكرية المصرية وقد التزمت بتغييرات جذرية على الصعيد الداخلي، السياسي والاجتماعي ، " وعلى أثر وضوح التزام الانقلاب المصري (6) لحركة القومية العربية التقدمية تحول الإنقلاب الى ثورة وأصبح الوضع الثوري في مصر وضعا طليعيا كوّن لذاته مركزاً قيادياً رئيسياً في الحركة الشعبية. وهكذا أثبتت الانقلابية العسكرية في مصر ذهنية ثورية لم نعهدها، وبكل صراحة لم نكن ننتظرها " (7).
وخلال السنوات الأربع التي مرت على مصر، ابتداء من قيام الثورة حتى العدوان الثلاثي ، كانت الأحداث المتتالية تعصف بأجزاء الوطن العربي و خاصة تلك المتعلقة بالمشرق، وعلى وجه أخص ازاحة دكتاتورية أديب الشيشكلي في فبراير عام 1954، وتسلم السلطة في سوريا تكتلا اختلفت اتجاهاته، ولكن القوى الثورية السورية كان لها الغلبة في النهاية ورجحت التفاعل الثوري بين مصر وسوريا. وتسجيل العلاقات المصرية السورية انما هو تسجيل لبداية التفاعل والاندفاع نحو الوحدة بين القطاعين الفكري والعملي ، الأول يتمثل في القوى الوحدوية الثورية الأصيلة في الشعب السوري وأهمها البعث والثاني يتمثل في الثورة المصرية وقيادتها.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية تحررت سوريا من الاحتلال ، وفي نفس الوقت أدى تعاظم حركة التحرر في بقية الأقطار العربية إلى أن تفتش عن وسيلة الاتصال ببعضها وان تحطم الحدود المصطنعة " وتشكل حداً ثورياً يصعد من قاعدة الهرم للأمة بكاملها ( " وكان لا بد للاستعمار من أن يفتش بدوره عن وسيلة يمنع هذا الاتصال، هادفاً من ذلك الى تجزئة وحدة النضال القومي وقوفاً بوجه بروز دولة عربية كبرى ، فمهد لنكبة فلسطين وانشأ دولة اسرائيل ، ودعم الفئة الحاكمة الموالية له في كل دولة عربية، وجمد حركة الوعي الثوري الجماهيري بالطغيان والارهاب. ولكن التاريخ كات قد حسر عن الروح الأصيلة للأمة العربية على أنه يجب بعثها عن طريق عمل ذاتي من أعمال الاعتراف ‘ اذ لا يمكن الاقرار بمكانة الأمة العربية بين أمم العالم المتحضرة الا نتيجة للقيام بعمل مصمم يجسد هذه الارادة بشكل مادى.
وعلى هذا الأساس بدأت الحركة الجماهيرية العربية تبحث عن وسيلة لتجسيد ارادتها بشكل مادي، فما وجدت أفضل من سوريا ومصر. وكان اللقاء أول ما كان في السياسة الخارجية للبلدين، ثم تشعب ليصل الى الاهتمام بالسياسة الداخلية.
على أن مركز سوريا بالنسبة لدول المشرق العربي ، ومركز مصر بالنسبة للدول العربية الواقعة في الشمال الإفريقي قد جعلهما نقطتي ارتكاز وانطلاق الى بقية الاقطار العربية : من هنا جاء تنسيق السياستين الخارجيتين للدولتين، ثم ميثاق الدفاع المشترك فيما بينهما.
1- مركز سوريا في قلب المشرق العربي :
كانت سوريا قبل الوحدة محط أنظار الدول العربية المحيطة بها من ناحية، ومعرضة لأفدح الأخطار من المؤامرات الخارجية من ناحية ثانية. ويكفي أن يذكر الإنسان ذلك الجو النفسي الذي عاشه الشعب السوري عشية يوم الوحدة حتى يدرك العوامل التي دفعته الى طلب الوحدة.
نظرة إلى الأنظمة السائدة في الدول المحيطة بسوريا، تعكس الإتجاهات السياسية الي كانت تأخذ مجراها، بعضها سطحي وبعضها عميق، في واقع الحياة السورية، هذه الاتجاهات العنيفة هي التي دفعت ( باتريك سيل ) في كتابه (الصراع حول سوريا) الى أن يقول بأن من استطاع السيطرة على سوريا أمكنه أن يحكم المشرق العربي كله .. لا بل منطقة الشرق الأوسط بأسرها (9).
تقع سوريا شرق البحر الأبيض المتوسط ، يحدها من الشمال تركيا التي تتصل مباشرة بالاتحاد السوفييتي، وهي عضو في حلف الأطلسي ، وعضو مؤسس في حلف بغداد، وكانت تحكم سوريا حتى الحرب العالمية الأولى . وسوريا هي البوابة الغربية الشمالية للعراق حيث البترول، وهذه قد ارتبطت بالغرب وعضو مؤسس في حلف بغداد (10) ، ولها أطماعها الهاشمية في سوريا. ويحدها من الجنوب فلسطين المحتلة ومن الغرب الجنوبي لبنان ، وفي جنوبها الشرقي تقع المملكة الأردنية. وعلى هذا فهي في قلب المشرق العربي . فالاستعمار والقوى الأجنبية في المنطقة يهمها السيطرة على سوريا لأنها بموضع القلب والمدخل الساحلي الغربي للشرق الأوسط.
وإذا ما ترجمنا هذا الواقع الجغرافي الى واقع سياسي . في المجالين الدولي والعربي ، فان الأمر يبدو من أعقد الأمور .
تقع سوريا وسط التيارات المتعارضة التالية : انها بمثابة مرآة للمصالح الحيوية في المجال الدولي بحيث انها تستحق أهتماما خاصا. وحقا ، فان مصالحها الداخلية ليس لها أهمية في الكثير من الأحيان ، اللهم الا باتصالها بالمضمون الواسع لذلك المجال ، أولا بالنسبة لجيرانها العرب، وثانيا بالنسبة للقوى الكبرى ذات المصلحة. وليس صدفة أن تعكس سوريا في بنيانها السياسي الداخلي منافسات جيرانها حيث انه من يود أن يحكم الشرق الأوسط يجب عليه أن يسيطر على سوريا (11) . وهناك العديد من الأسباب المؤيدة لوجهة النظر هذه :
الأول : هو الموقع الاستراتيجي لها ، فهي حارسة المسالك الشمالية- الشرقية المؤدية لمصر. و تحرس خط اليابسة الممتد من العراق للبحر الأبيض المتوسط ، وهي رأس شبه الجزيرة العربية و الحدود الشمالية للعالم العربي .
الثاني : هو أن سوريا يمكنها أن تقول بأنها كلا من رأس وقلب الحركة القومية منذ بدايتها في نهاية القرن الماضي ، فهي قد ولدت الأفكار السياسية ، وهي مركز الأحلام الكثيرة (12).
الثالث : وكما انها كانت بمثابة مركز المنافسات بين الدول العربية ، فانها كانت أيضا الرابطة التي تمت بموجبها التسويات الدبلوماسية الكبيرة التي جرت قبل كل من الغرب والاتحاد السوفييتي . هذه المنافسات وتلك التسويات التي كانت ، وإلى حد كبير ، على مخطط السياسات السورية الداخلية التي خاضت المعارك الفاصلة مع حلف بغداد و مبدأ أيزنهاور والمزايدة السوفييتية لجلب سوريا داخل تأثير الدائرة السوفييتية في عام 1957. ولقد كان أخد المسائل السابقة بعين الاعتبار هو الذي يحدد مستوى النجاح أو السقوط على صعيد السياسة الداخلية.
الرابع : وماسبق لا يدعو للقول بأن سوريا قد ظهرت كنقطة أساسية قي المزاحمات الدولية فقط ، بل لقد كانت السياسة الداخلية السورية معقدة الى أبعد الحدود ، ، " حيث أن التقسيم الداخلي للأفكار الرئيسية فيها ثرى الغناء ، وخاصة ما يتعلق منها بالسياسة العربية . ويجب ان لا نعتقد ، من ثم ، انها الضحية لمشاجرات شعب آخر . حيث انه وفي الكثير من الأحيان العكس هو الصحيح . بمعنى لقد صدر الخلاف من داخل سوريا الى جيرانها وتعداهم ، وإذا ما فتشنا عن أسباب أزمة دولية محزنة فإن الخيط يقودنا في بعض الأحيان الى دمشق .
" ان سوريا تشبه فحص عينة محددة من سياسة معرض الأحياء المائية للشرق الأوسط .. ان العديد من المباديء والاتجاهات السياسية في العالم العربي اليوم أما أنها أنبعثت منها أو يمكن رؤيتها فيها بوضوح خاص. " (13) .
مهما يكن فانه مع بداية الخمسينات من هذا القرن بدأنا نلاحظ " أن كل المؤامرات الاستعمارية والأجنبية بدأت وتركزت على سوريا بالذات " ، ولهذا أسبابه. أولا لموقعها من التيارات العالمية المتصارعة في المنطقة. وثانياً لأنها االبلد العربي الذي حمل لواء فكرة الوحدة العربية عندما كانت بقية الدول العربية لا تعرف معنى الوحدة الا على أساس من السيطرة والتسلط والحكم مثلما حدث مع الاسرة الهاشمية في بداية هذا القرن ، وفي الحرب العالمية الأولى اثناء ثورة الشريف حسين .
لقد جابهت سوريا في عام 1957من الضغوط ، لو وجهت لأي بلد عربي آخر لما تمكن من الصمود كما فعلت هي . هذا في اعتقادنا السبب المباشر الذي دفع سوريا لطلب الوحدة في عام 1958
2- تنسيق السياستين الخارجيتين لمصر وسوريا:
يسجل تاريخ قيام جامعة الدول العربية في عام 1944 نقطة تاريخية هامة في العلاقات بين الدول العربية عامة، وبين مصر وسوريا بشكل خاص. وكذلك يمكن القول أن ما تركته حرب فلسطين من تأثير على الدول العربية وعلاقاتها بالعالم الخارجي يمثل نقطة التقاء أخرى بين السياستين الخارجيتين للدولتين . ولكن ما يهمنا في هذا البحث هي الفترة التي تبتديء مع قيام الثورة المصرية ولقائها بعد خريف عام 1954 بالحكم الوطني الذي قام في سوريا نتيجة للاطاحة بحكم العقيد أديب الشيشكلي.
ومن ناحية أخرى، يمكن القول على وجه التحديد أن بداية تنسيق السياستين الخارجيتين لمصر وسوريا، من الناحية العملية، قد بدأت مع الدعوة الى مؤتمر باندونج . هذا، ولا يخفي اتخاذ الحكومتين موقفاً بالنسبة للاتفاق العراقي التركي، الذي سمى حلف بغداد فيما بعد، كما سيأتي تفصيله في حينه.
كانت حكومة الثورة في مصر قد أجرت اتصالات مع الحكومة السورية قبل انعقاد مؤتمر باندونج، وذلك لانتهاج سياسة عربية موحدة، تهدف لابراز الشخصية العربية في المجال الدولي، وتعمل بتنسيق مدروس من أجل تقوية المواقف العربية في المحافل الدولية. ولاقت هذه الدعوة قبولا من الحكومة السورية. وعقب زيارة لسوريا قام بها وفد مصري برئاسة صلاح سالم أعلن في دمشق في الثاني من مارس سنة 1955، وبعد أسبوع من تاريخ توقيع معاهدة التضامن العراقي التركي في 24 فبراير (شباط) أعلن بيان مشترك كان أهم ماجاء فيه ما يلى :
1- عدم الانضمام الى الحلف التركي العراقي أو أية أحلاف أخرى .
2- اقامة منظمة دفاع ، وتعاون اقتصادي عربي مشترك.
3- الاتصال بالحكومات العربية لعرض أسس ومباديء البيان المشترك ودعوة الدول العربية للموافقة عليها.
4- انتهاج سياسة عربية مستقلة وموحدة (14).
وحتى تكون الدعوة أعم وأشمل، تبع هذا البيان تشكيل وفد مصري سوري مشترك قام بزيارة لكل من لبنان والأردن والسعودية والعراق. وكانت نتائج زيارة الوفد المشترك متباينة. تقبلت السعودية مباديء وأسس البيان المصري السوري ، أما الأردن فقد تظاهر بالحياد، وكذلك فعل لبنان. اما حكومة العراق فقد غيرت مجرى الحديث والهدف من الزيارة وحاولت أن تقنع الوفد " بأن الاتفاق العراقي التركي لا يخرج عن التعاون بين الجارين "..
ولكن المفاجأة حدثت عندما انضمت بريطانيا للاتفاق بعد رجوع الوفد بقليل (15)، وبالتحديد في 30 مارس 1955، وأعلنت بريطانيا ان الاطار الدفاعي لحلف بغداد حل محل اتفاقية سنة 1930 مع العراق.
من هنا، ومما انتهت إليه الزيارة من نتائج ، ظهر في الأفق العربي أن معسكرين سيشكلان: معسكر يضم مصر وسوريا من جهة، ومعسكر تقوده بغداد.
كان مؤتمر باندونج أقوى لقاء على مستوى السياسة الخارجية الدولية بين مصر وسوريا في تلك المرحلة. ولعل من أهم نتائج مؤتمر باندونج المباشرة، وفيما يخص العرب وقضاياهم هي تحويل ذلك التوازي في الانتصارات الثورية بين مصر وسوريا، الى اتفاق رسمي من أجل تدعيم سياسة عدم الانحياز، ومحاربة حلف بغداد، وأهدافه في المنطقة العربية، والدعوة للوحدة العربية المباشرة. ولذلك فقد انتقلت مصر بثورتها الجديدة الى مرحلة التفاعل التام بالسياسة العربية، فدخلت هذه الحلبة بوجه تحرري مضئ نقل لأول مرة أيضاً الثورة العربية من مستوى العمل الجماهيري الى مستوى انبثاق دولة عربية، ذات تنهيج تحرري واضح ". (16).
ولما انتهى إليه مؤتمر باندونج من نتائج ايجابية على الصعيد الدولي، واعلان مصر الواضح لانتهاج سياسة خارجية موحدة ومتحررة ، بدأ الغرب ينظر بعين غير مرتاحة لهذه السياسة الحيادية من المعسكرين ، وبدأت بوادر أزمة تستفحل بين مصر والغرب لها العديد من الأسباب أهمها رفض الغرب تمويل العرب بالسلاح .
ولكن القيادة الثورية في مصر استطاعت أن تعلن بداية ثورتها الواضحة والصريحة ضد الاستعمار الغربي وأعلنت كسر طوق حصار السلاح . هذا الإعلان الذي كان نصراً مبدئياً عظمت نتائجه كلما تقدمنا في تسجيل الأحداث التي نجمت عنه. وهكذا أعلنت الثورة عن حاجتها للسلاح للدفاع عن مصر تجاه التهديد الإسرائيلي ، ولما رفض الغرب امداد مصر بالسلاح أعلنت الثورة انها ستشتري السلاح ممن يبيع، ما دامت صفقة البيع هذه لا تفرض أية شروط من نوع تلك الشروط التي دأبت دول الغرب في فرضها على العرب للتدخل في شؤونهما الداخلية والخارجية على حد سواء. (17)
3- ميثاق الدفاع المشترك بين مصر وسوريا
مع خريف عام 1955 اشتدت الدعوة لحلف بغداد وبدأت العراق وتركيا تمارسان ضغطاً عنيفاً على سوريا للدخول في هذا الحلف. و لكن الوعي الشعبي والجيش السوري وبعض الأحزاب التقدمية أتلفوا التأثيرات والضغوط العنيفة وان لم يزيلوا تأثيرها تماماً .
وأمام الوضع المتفاقم من تأثير حلف بغداد و ضغطه على سوريا جرت في أوائل سبتمبر عام 1955 مفاوضات بين مصر وسوريا أدت الى توقيع ميثاق دفاع عسكري مشترك بين الدولتين. ولقد وقع هذا الميثاق للدفاع العسكري المشترك تطبيقاً للبيان الصادر في دمشق في 2/3 نتيجة للزيارة التي قام بها وفد مصري برئاسة صلاح سالم كما ذكرنا سابقاً . ورفض البيان المذكور انضمام البلدين الى الحلف العراقي التركي، وحث في نفس الوقت على اقامة منظمة للدفاع المشترك وإقامة تعاون اقتصادي عربي مشترك.
تتابعت المفاوضات في شهري سبتمبر وأكتوبر ( أيلول وتشرين اول) من عام 1955، حتى انتهت في 22 من أكتوبر الى عقد اتفاق مشترك يقضي بتقوية وتوثيق التعاون العسكري حرصاً على استقلال الدولتين وسلامتهما (18) .
وذكرت في مقدمة البيان أن الحكومتين المصرية والسورية توطيداً لمبادئ ميثاق جامعة الدول العربية وتوكيداً لاخلاصهما لهذه المبادئ، ورغبة منهما في زيادة تقوية وتوثيق التعاون العسكري حرصا على استقلالهما ومحافظة على سلامتهما واستقلالهما وتحقيقاً لأمانيهما في الدفاع المشترك عن كيانهما وصيانة للأمن والسلام وفقاً لمبادئ جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة، بناء لكل ذلك فقد أقامت الدولتان المتعاقدتان ميثاقاً عسكرياً للدفاع المشترك فيما بينهما (19).
وبعد اتفاقية الدفاع المشترك، قامت مفاوضات بين مصر وسوريا والاردن انتهت الى توقيع اتفاقية عسكرية ثلاثية بتاريخ 23 اكتوبر ( تشرين الأول ) عام 1956 . وكان الهدف من هذه الاتفاقية " توحيد وسائل الدفاع في الجبهة العربية ".
وتلا توقيع ميثاق الدفاع المشترك اتفاقية بين مصر وسوريا لتوحيد قيادة الجيشين في البلدين. وأهم ما جاء في هذه الاتفاقية البنود التالية:
1- توحيد الجيشين المصري والسوري في التسليح والتدريب وفي مواجهة أي خطر طاريء.
2- ارسال الضباط والخبراء المصريين وعلى وجه السرعة إلى سوريا ، للاسراع في تدريب القوات السورية على الأسلحة المصرية.
3- انفاذ الامدادات العسكرية من القوات المصرية الضاربة لتعزيز المقدرة الدفاعية للجيش السوري في معركة التهديدات الموجهة الى سوريا والممثلة في الحشود التركية والصهيونية.
وتنفيذاً لهذا الاتفاق كانت القوات المصرية في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1957 قد رابطت في شمال سوريا على الحدود التركية وفي الجنوب على الحدود الإسرائيلية (20).
والجدير بالذكر أنه بالإضافة الى ميثاق الدفاع العسكري المشترك وقع اتفاق اقتصادي بين مصر وسوريا بتاريخ 29 يناير ( كانون الثاني) عام 1956 جاء في مادته الأولى ما يلي :
"يبذل كل من الطرفين المتعاقدين ما في وسعه للوصول بالعلاقات التجارية بين بلديهما الى أقصى حد مستطاع وفقاً لأحكام هذا الاتفاق وفي حدود النظم الاقتصادية القائمة في كلا البلدين ".
وجاء بعد الاتفاق الاقتصادي المذكور، اتفاقية للوحدة الاقتصادية بين الجمهورية المصرية والجمهورية السورية ، جاء في مادتها الأولى : " تقوم بين مصر وسوريا وحدة اقتصادية كاملة ... " وهذه الوحدة الاقتصادية تضمن للدولتين ولرعاياها المساواة الكاملة فيما بينهما، كذلك نصت على حرية انتقال الاشخاص و رؤوس الأموال وحرية تبادل المنتجات الوطنية والأجنبية وحرية العمل وإلاقامة...... الخ . (21)
هوامش الفصل التمهيدي
(1) جمال عبد الناصر: " فلسفة الثورة " (المطبعة العالمية ، القاهرة 1953، الطبعة التاسعة) ص62
(2) كلوفيس مقصود : " أزمة اليسار العربي " (دار العلم للملايين ، بيروت " 1960 ، ص 136
(3) ليونارد بايندر : " الثورة العقائدية في الشرق الأوسط " ( ترجمة خيري حماد، دار القلم ، القاهرة ، 1966) ص 143
(4) كلوفيس مقصود: مرجع سابق، ص 136.
(5) المرجع السابق، ص 137.
(6) يجب التنويه الى أن استعمالنا لمصطلح " انقلاب " بخصوص الحركة العسكرية المصرية التي قامت صباح يوم 23 يوليو سنة 1952 انما هو تجاوزاً فقط حيث لم يتحول الانقلاب الى ثورة فعلية الا حين الغيت الملكية وصدر قانون الاصلاح الزراعي في سبتمبر عام 1953، وفي رأينا ان الثورة تبدأ حين يبدأ التغيير الى الأفضل بالنسبة لمصالح الشعب.
(7) كلوفيس مقصود: مرجع سابق. ص 36، وما تميزت به القيادة الثورية في مصر من ذهنية منفتحة كان العثرة الأولى التي وقفت في وجه السياسيين السوريين التقتليديين وميولهم نحو الاحتراف السياسي .
( مطاع صفدي : " الثورة في التجربة " (دار الطليعة ، بيروت، يونيو 1963) ص 244.
(9) Seal Patrick : " The Struggle for Syria " ( Oxford University Press , Oxford, 1965 ) , p.3
(10) أنظر الفصل الأول، المبحث الأول حيث تعرضنا لكيفية انشاء حلف بغداد ودور العراق فيه ، ص 17
(11) Seale : OP.Cit.P.3
(12) ليونارد بايندر: مرجع سابق ، انظر كذلك د. جلاد يحي : " العالم العربي الحديث " (دار المعارف، القاهرة، 1967) ص 665 حيث يقول : كانت سوريا هي الاقليم الذي ظهرت فيه الحركة التحررية العربية منذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر .
(13) Seale : op .Cit .p.1-2 .
اننا وان كنا لا نوافق المؤلف على كل أفكاره التي جاءت فى الفترات السابقة 0 الا أن ما اقتبسناه عنه يعطي صورة صادقة الى حد ما ، كما ينبعث من سوريا ، وحولها " لأجلها وضدها ، من انعكاسات على السياسة الدولية و الداخلية.
(14) جريدة الأهرام ، 3 مارس سنة 1955.
(15) ناجي علوش : " الثورة والجماهير " (دار الطليعة- بيروت- مايو 1962) ص 66. هذا وسنرى المزيد من التفاصيل عن موقف العراق وعن الاتفاق العراقي- التركي، حين الحديث عن حلف بغداد.
(16) مطاع صفدي : مرجع سابق- ص359.
(17) أما استيراد سوريا للاسلحة الشيوعية فسيأتي الحديث عنه في الباب الأول من الرسالة. راجع بهذا الخصوص وولتر لاكور: " الاتحاد السوفييتي والشرق الأوسط " (ترجمة لجنة من الأساتذة، المكتب التجاري ، بيروت، الطبعة الأولى ، 1959).
(18) نشر نص ميثاق الدفاع المشترك في جريدة (الأهرام) بتاريخ 10/11/1955 أنظر :
Ghali: " Middle Eastern Security Pacts "
( Revue Egyptienne De Droit Internationale, v,13,957) p.31
وكذلك : Seale : OP.Cit .p . 252 -255
(19) وأهم ما جاء فيه من نصوص ما يلي :
" وأعمالاً لما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة التاسعة من ميثاق جامعة الدول العربية قد اتفقتا على عقد اتفاقية لهذه الغاية " هذا والجدير بالذكر أن نص الفقرة المشار اليها هو التالي :
" لدول الجامعة العربية الراغبة فيما بينها في تعاون أوثق وروابط أقوى مما نص عليه هذا الميثاق اتخاذ ما تشاء لتحقيق هذه الأغراض ".
وأهم مواد ميثاق الدفاع المشترك هي :
مادة 1 : تؤكد الدولتان المتعاقدتان حرصهما على دوام الأمن والسلام واستقرارهما وعزمهما على فض جميع منازعاتهما الدولية بالطرق السلمية.
مادة 2: تعتبر الدولتان المتعاقدتان كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة منهما أو قواتهما اعتداء عليهما، ولذلك فانهما عملا بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن كيانهما تلتزمان بأن تبادركل منهما الى معونة الدولة المعتدي عليها وبأن تتخذ على الفور جميع التدابير وتستخدم ما لديها من وسائل. بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولاعادة الأمن والسلام الى نصابهما. وتطبيقا لأحكام المادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية والمادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة يخطر على الفور مجلس الجامعة العربية ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء وبما اتخذ بصدده من تدابير واجراءات.
" وتتعهد الدولتان المتعاقدتان بأن لا تعقد أي منهما صلحاً منفرداً مع المعتدي أو أي اتفاق معه دون موافقة الدولة الأخرى ".
هذا والجدير بالذكر أن نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من ميثاق الجامعة العربية هو التالي : " اذا وقع اعتداء على دولة من أعضاء الجامعة أو خشي وقوعه فللدولة المعتدي عليها أو المهددة بالاعتداء، ان تطلب دعوة المجلس للانعقاد فورا ". أما المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة فتنص على ما يلي : " ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم اذا أعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء " الأمم المتحدة " وذلك الى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ الى مجلس الأمن فوراً ، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس- بمقتضى سلطته ومسئولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق- من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو أعادته الى نصابة ".
مادة 5 : تنفيذاً لأغراض هذه الاتفاقية قررت الدولتان المتعاقدتان على انشاء- الأجهزة التالية: مجلس أعلى. مجلس حربي . قيادة مشتركة.
مادة 6: يتكون المجلس الأعلى من وزير الخارجية والحربية (الدفاع) للدولتين المتعاقدتين وهو المرجع الرسمي للقائد العام للقيادة المشتركة الذي يتلقى منه جميع التوجيهات العليا الخاصة بالسياسة العسكرية و يختص المجلس الأعلى بتعيين القائد العام وتنحيته ".
(20) د. جلال يحي : مرجع سابق، ص 674.
(21) تمت اتفاقية الوحدة الاقتصادية بين مصر وسوريا في أواخر سبتمبر (أيلول) عام 1957. وأهم ما جاء في الاتفاقية :
م 1 : تقوم بين مصر وسوريا وحدة اقتصادية كاملة.
1- حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال .
2- حرية تبادل المنتجات الوطنية والأجنبية.
3- حرية الاقامة والعمل والإستخدام وممارسة النشاط الاقتصادي.
4- حرية النقل والترانزيت واستعمال وسائل النقل والمرافيء والمطارات المدنية .
5- حقوق التملك والايصاء والارث.
م 2: للوصول الى تحقيق الوحدة المبينة في المادة السابقة. يعمل الطرفان المتعاقدان على مايلي:
1- جعل بلديهما منطقة جمركية تخضع لادارة موحدة وعلى توحيد التعريفة والتشريع
والأنظمة الجمركية المطبقة في كل منهما
2- توحيد سياسة الاستيراد والتصدير والأنظمة المتعلقة بها.
3- تنسيق سياسة النقل .
4- عقد الاتفاقات التجارية و اتفاقات المدفوعات مع البلدان الأخرى بصورة مشتركة أو التشاور فيها .
5- تنسيق السياسة المتعلقة بالزراعة والصناعة والتجارة الداخلية وتوحيد التشريع الاقتصادي بشكل يكفل لمن يعمل من رعايا البلدين المتعاقدين في الزراعة أو في الصناعة أو في التجارة والمهن شروطاً متكافئة .
6- تنسيق تشريع العمل والضمان الاجتماعي .
7- تنسيق تشريع الضرائب والرسوم الحكومية والبلدية وسائر الضرائب وسائر الرسوم الأخرى المتعلقة بالزراعة والصناعة والتجارة.
م3: تنشأ هيئة تدعى " لجنة الوحدة الاقتصادية المصرية- السورية ".
م4: الهيئة تتكون من عشرة اعضاء لكل جانب
5.......... الخ ...
راجع بهذا الخصوص (الأهرام الاقتصادي) عدد سبتمبر- اكتوبر 1957..
الباب الأول
أسباب دعوة سوريا للوحدة
تقسيم : ينقسم الباب الأول الى فصلين، أولهما متعلق بالأسباب الخارجية، الدولية والعربية والتي كان لها تأثيراً كبيراً على سوريا في طلبها الوحدة والتعجيل بتحقيقها. أما الفصل الثاني فيتعلق بالظروف الداخلية التي كانت تأخذ مجراها الخطير في الحياة السورية. وإذا كانت الأسباب الخارجية تعتبر بمثابة عوامل سلبية قد دفعت سوريا الى الوحدة أمام التهديدات بالغزو أو الانقلابات المؤيدة من الغرب، فإن الأسباب الداخلية لسوريا تتلخص في الوضع الحزبي والطبقي، ويضاف اليهما الدور الكبير الذي لعبه الجيش السوري في الحياة الداخلية.
الباب الأول
تقديم :
بعد حرب السويس في عام 1956 بدأت الأنظار تتجه الى سوريا لعلها تخضع للغرب بعد أن صمدت مصر سياسياً وعسكرياً واقتصادياً . وتركزت منذ ذلك التاريخ عوامل عدة في واقع الحياة الداخلية لسوريا متفاعلة ومنفعلة مع وضد الأحداث الخارجية. وجاءت تلك العوامل من المنطقة العربية أو من تفاعلات السياسة الدولية والحرب الباردة التي كانت على أشدها ما بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي.
وما يهمنا بحثه هنا هي تلك العوامل، أو الأسباب ، التي دخلت بشكل مباشر وعلني لتجعل سوريا تطلب الوحدة مع مصر كمخرج لا بديل عنه ان ارادت الأمة العربية أن لا تسقط سوريا بيد الشيوعية أو الرأسمالية.
ولقد كان من أهم الأحداث التي ظهرت في خمسينات هذا القرن في منطقة الشرق الأوسط هي التالية :
1- التصريح الثلاثي عام 1950 بضمان حدود اسرائيل من قبل الدول الغربية الكبرى (1).
2- منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط عام 1951.
3- حلف بغداد 1954- 1955.
4- العدوان الثلاثي على مصر 1956.
5- مشروع أو مبدأ الرئيس الأمريكى أيزنهاور 1957.
ويبحث الفصل لأول من هذا الباب العوامل الخارجية التي أدت الى الوحدة بين مصر وسوريا والتعجيل بقيامها. ان التصريح الثلاثي ومنظمة الدفاع عن الشرق الأوسط وحرب السويس، وان لم تكن كلها أسباب مباشرة للوحدة، الا أن حلف بغداد ومشروع أيزنهاور هما من الأسباب المباشرة التي دعت سوريا الى طلب الوحدة الفورية مع مصر. وكان لهذا الارتباط ما بين الحلف والمشروع من ناحية، وطلب الوحدة من ناحية ثانية، أسباب عديدة، أهمها ما ارتبط بضغط الحلف والمشروع على السياسة الخارجية والداخلية لسوريا وخاصة ما يتعلق بحلف بغداد ومحاولة العراق جر سوريا اليه ولو عن طريق انقلاب دموي يحدث في دمشق . كذلك ارتبط بمشروع ايزنهاور ما سمي آنذاك " الأزمة السورية " حيث أدعت الولايات المتحدة أن سوريا سقطت بيد الشيوعية الدولية وما على الدول الغربية والمحيطة بسوريا الا الهجوم عليها لتخليصها مما هي واقعة فيه.
لم تكن منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط وحلف بغداد ومشروع أيزنهاور سوى محاولات ذات هدف واحد، بأسماء مختلفة، تعمل لربط المنطقة العربية في المشرق بعجلة السياسة الغربية. وحتى تكتمل الصورة، كما بدت في العقد السادس من هذا القرن، لا بد من تسجيل كيفية اقتراح مشروع منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط ، وذلك كمقدمة لا غنى عنها لفهم تطورات قيام وأهداف حلف بغداد ومشروع إيزنهاور، وتأثيرهما على سوريا في طلبها الوحدة مع مصر في عام 1958.
بدأت سياسة الأحلاف الغربية بعد الحرب العالمية الثانية بانشاء حلف شمالي الأطلسي 1949. وسارت الدول الغربية على هذه السياسة فيما بعد، قاصدة أن تحيط الاتحاد السوفييتي ودول شرقي أوروبا الشيوعية بسياج عسكري من كل جانب. ومن الطبيعي أن توضع منطقة الشرق الأوسط ، بما فيها الدول العربية ، ضمن الاستراتيجية الغربية وصولا الى أحكام السياج العسكري حول الاتحاد السوفييتي والكتلة الشيوعية.
وأول بادرة صدرت من واضعي سياسة الأحلاف كانت عبارة عن اقتراح لاقامة منظمة دفاعية تشمل دول المنطقة وسميت " منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط ". وكان الاقتراح مشتركا من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا. ويهدف الى تأسيس سياج من القوى المؤيدة للغرب ضد المعسكر الشرقي على منوال ما حدث في أوروبا الغربية (2). وهذا هو الهدف الأول من اقتراح هذه المنظمة. وكان من المقرر أيضاً أن يكون هذا العرض في البداية طعماً لمصر، لأنها متى دخلت في معاهدة جديدة مع بريطانيا فمن الممكن أن تعوض هذه المعاهدة الجلاء عن قناة السويس اذا حصل في المستقبل، خاصة وان بوادر الحرب الفدائية ضد قوات الاحتلال البريطانية في قناة السويس قد بدأت تشتد في عام 1951. على أن اقتراح اقامة هذه المنظمة لاقى معارضة شديدة من مصر ومن بعض الدول العربية، وبدأت هذه الدول ترى في مثل هذه المعاهدة خلق دول لا تعدو كونها دمي بالقياس الى الغرب (3).
وما أن بدأت الأسئلة والمناقشات تثور بخصوص الأهداف والمرامي الحقيقية لهذا المشروع المقترح، وبعد رفض كل من مصر وسوريا، جاء وزير خارجية الولايات المتحدة- جون فوستر دالاس- في صيف عام 1953 وزار بعض دول المنطقة. ولما عاد وزير الخارجية الأمريكية من رحلة التحقيق هذه كان تقريره عن فرص نجاح اقامة دفاع مشترك اقليمي في الشرق الأوسط بعيدا عن التفاؤل (4).
وانتهى الأمر بهذا الفشل للمشروع المقترح ولم تتجدد الدعوة لاقامة أحلاف في المنطقة الا في ربيع عام 1954 حيث انتهت الى عقد اتفاق دفاعي بين أنقرة وكراتشي قدر له فيما بعد أن يكون حجر الزاوية في الحزام الشمالي، وهو ما سمي عام 1955 بحلف بغداد.
وعند ذاك بدأت الجماهير، لأول مرة، تعي مضار أمثال هذه المنظمة ضد الأقطار العربية. وما لبث أن سقطت كل تلك الجهود وساعدت في تحريك المشاعر ضد الغرب داخل سوريا بشكل لم يسبق له مثيل، وكذلك فعلت في بقية الدول العربية . ولم تنته خطة انشاء هذه المنظمة الى أية نتيجة ايجابية عندما رفضتها مصر (5) ، ذلك انها اقترحت ضم بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وتركيا ومصر. وبعد انضمام مصر اليها يصبح دخول كل من العراق وسوريا تحصيلا حاصلاً (6).
على أن تلك العوامل الخارجية لم تكن وحدها هي التي دفعت سوريا الى التعجيل بطلب الوحدة الفورية، بل يمكن القول انه كان لتلك العوامل انعكاساتها على الحياة السياسية الداخلية، بالقدر الذي كانت تلك العوامل الداخلية تعكس نفسها على الخارج، وخاصة على دول المنطقة المحيطة بسوريا. فتعدد الأحزاب السورية والاقطاع والعشائرية والرأسمالية والبورجوازية والفئة العسكرية كلها كانت مجموعات متمايزة ومتناقضة ومتنافرة ومتقاتلة في بعض الأحيان. ولقد كان أي حادث داخلي يعكس نفسه على الدول الخارجية التي منها المؤيد لهذا الحدث ومنها المعارض له. وكذلك الحال بالنسبة لأي حدث خارجي إذا كان يجد انعكاساته وصداه في الداخل أن لدى الأحزاب والطبقات أو العسكرية السورية.
ولقد عاشت سوريا قبل الوحدة بعامين واقعاً مؤلماً ومحزناً . ولم يعد أمامها الا الاتجاه نحو القاهرة. وكانت الوحدة.. خلاصا من ذلك الواقع بغض النظر عن كونها مطلباً جماهيرياً أثبت صدق الشعب السوري وإخلاصه وتضحيته في سبيله (7) .
والفصل الثاني يتناول العوامل أو الأسباب الداخلية التي دعت سوريا الى طلب الوحدة. وهنا نتناول بالبحث الأحزاب السورية والطبقة البورجوازية والعسكرية.
هوامش
(1) وهذه الدول هي : الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا
(2) Campell,John. " Defence of the Middle East " , ( Harper &Brother ,New York , 1960 ) p.40
(3) غاي ونت : " أزمة الشرق الأوسط " ( ترجمة الراصد العربي ، منشورات عويدات ، بيروت ، 1957 ) ص 37 – 38 .
(4) Campell , op .Cit .p.42
(5) Ibid p .43
(6)
Kerr,M: The Arab Cold War , 1958-1964 , Oxford University Press , Oxford ,1965 p.5
(12)محمد حسنين هيكل : " ماالذي جرى في سوريا " ( الدار القومية ، القاهرة ، 1962 ) ص 22
اسباب قيام وسقوط وحدة مصر وسوريا
(يحرم نقل هذ البحث الا باذن منى أنا صالح)
تلفن لى
0192924564
صالح أحمد عيسى
[]
الفهرس
مقدمة عامة
كيفية دراسة تجربة الوحدة والانفصال
فصل تمهيدي
العلاقات المصرية السورية قبل الوحدة
1 مركز سوريا في قلب المشرق العربي
2 تنسيق السياستين الخارجيتين لمصر وسوريا
3 ميثاق الدفاع المشترك بين مصر وسوريا
الباب الأول
اسباب دعوة سوريا للوحدة
تقديم
الفصل الأول
الأسباب الخارجية التي أدت إلى الوحدة
المبحث الأول : حلف بغداد
أولاً : كسر احتكار السلاح
ثانيا : ضغط حلف بغداد على سوريا
المبحث الثاني : مشروع ايزنهاور
أولاً : مؤتمر انقرة
ثانياً : الأزمة السورية
الفصل الثاني
العوامل الداخلية التي ساهمت في قيام الوحدة
المبحث الأول : الأحزاب السورية
أولاً : احزاب تقليدية محافظة
ثانياً : احزاب تقدمية ثورية
المبحث الثاني : دور الجيش في السياسة الداخلية لسوريا
ختام
الباب الثاني
دولة الوحدة 1958- 1961
تقديم
الفصل الأول
قيام الجمهورية العربية المتحدة
المبحث الأول : مفاوضات الوحدة
1 الوحدة أم الاتحاد
2 قيام الدولة الجديدة قانوناً
3 الأسس التي قامت عليها ج – ع- م ودستورها المؤقت
4 التكييف القانوني لنظام الدولة الاتحادي
المبحث الثاني : ردود الفعل التي أثارها قيام ج –ع- م
1 الاعتراف بالدولة الجديدة
2 رأي الدول الغربية – والمحيطة بسوريا – بالوحدة .
3 رأي الشيوعية الدولية والمحلية بالوحدة
4 الوحدة وقلب ميزان القوى في المنطقة
الفصل الثاني
تطور علاقات أجهزة دولة الوحدة
المبحث الأول : النظام السياسي 1- السلطات
المبحث الثاني : النظام الاقتصادي والإداري
ختام
الباب الثالث
الانفصال
تقديم
الفصل الأول
ملابسات الانفصال
المبحث الأول : ذرائع الانفصال وحججه
المبحث الثاني : صدى ونتائج الانفصال
أولاً : صدى الانفصال في العالم
ثانياً : نتائج الانفصال
الفصل الثاني
العوامل الرئيسية التي أدت إلى الانفصال
المبحث الأول : العوامل الرئيسية التي أدت إلى الانفصال
المبحث الثاني العوامل الثانوية
ختام الباب الثالث
ختام الكتاب
الملاحق
سجل تاريخي لأهم الأحداث التي تضمنها الكتاب
المراجع
1 العربية
2 الأجنبية المترجمة
3 الأجنبية
4 الوثائق والبيانات
5 المجلات والدوريات العربية والأجنبية
مقدمة عامة
كيفية دراسة تجربة الوحدة والانفصال
هل يجب على الفكر القومي أن يلتزم، في دراسته لتجربة الوحدة، بمجرد التصوير التاريخي لهذا الحدث ويقتصر على هذه المسؤولية التاريخية الخاصة، متناولا جوانبها العلمية فقط؟ أم يجب أن يتجاوز ذلك التصوير التاريخي لتلك الظاهرة متجهاً الى فهم التجربة ، ومعبراً في نفس الوقت عن معاناة الحس القومي الذي يقوم بالدرجة الأولى على فعل تقييمي؟
أن التصوير التاريخي فعل تسجيلي وصفي بحت. أما التصوير التقييمي فهو الخط الذي يمكن اتباعه في دراسة ظاهرة وحدة 1958. وهذا الخط يحمل في ذاته فهما قياسيا تقييميا في المقام الأول. اذ أنه هو الذي يكشف عن بقية التطور الكلي بما فيه من عوامل سلبية وعوامل ايجابية، تمتزج مع بعضها البعض موجهة حركة التغيير نحو الأهداف التي تطرحها فكرة القومية العربية، والوحدة أهم هدف آني لها.
وعلى ذلك فاهمال ذكر الأحداث التاريخية بترتيبها الزمني الصارم، يقابله تسجيل لأهم الأحداث لابراز الاتجاهات التي سادت في دولة الوحدة.
ذلك أن الوحدة التي قامت عام 1958 هي جزء من الثورة العربية الشاملة، هذه الثورة التي تتجه الى إنشاء المستقبل العربى، وتطرح نفسها كأداة للتاريخ العربي، ولا بد لها اذن من أن تعرف كل ما يعيق طريقها من الأدوات التي تحارب وصولا الى نقاط الضعف والوهن التي تصيبها، " أو من غرور وخداع للنفس ".
ومن كتبوا التاريخ العربى تجاوزوا وتجاهلوا ذكر العيوب، ودأبوا على الخوف من النقد، ولم تعلمنا عصور الانحطاط الا ذلك الكذب المنظم تحت ستار أخلاق النفاق، فنحن إما ألا نرى الا الخير كله، وإما ألا نرى الا الشر كله ".
انطلاقا من الفكرة السابقة فان بحثنا سيقتصر على ذكر الحوادث بترتيبها الزمني بالقدر الذي تخدم الفكرة الأصلية في طرحنا موضع الوحدة والانفصال على أساس تقييمي بحت. ولم نكن لنتبع هذا المنهج الجدلي لو لم يقع المؤرخون العرب والأجانب، على حد سواء بمغالطة خطيرة جدا، وهي أنهم حاولوا أن يؤرخوا بعد فشل التجربة، أي نكسة الوحدة وقيام الانفصال، لسنوات الوحدة، وسجلوا تاريخهم محوّرين فيه ومحولين الظاهرة الى قانون عام ينطبق على المستقبل العربي كله جملة وتفصيلا . نقصد أنهم حولوا ظاهرة الانفصال- وهي بلا أدنى شك عرضية وزائلة- الى قانون عام لفشل الوحدة التي قامت عام 1958، وبالتالي لأية وحدة ستقوم مستقبلا:
ان حركة التاريخ، وفي أحيان كثيرة، لا تكون تكرارا على الاطلاق ، بل وغالباً ما تكون تجاوزاً لحدث قائم .. وهكذا كان الانفصال تجاوزاً مؤقتاً وعرضياً لواقعة الوحدة.
ولم يكن الإنفصال أكثر من لحظة توقف لمسيرة طويلة للتاريخ العربي المعاصر والحديث. فمواقف الفشل و النكسات التي ألمت بالأمة العربية، هزت واقعها ونبشت في جذورها التاريخية والفكرية والحضارية، مستطلعة عن امكانيات جديدة تهديها طريق الخلاص، فصدمة الفشل تدفع لدى الشعوب الحية الى شئ من الدهشة الحزينة، الدهشة الممزوجة بالخوف. وعند ذلك لا بد أن تنبثق التساؤلات ثانية. ولن تنال هذه التساؤلات الأسباب المباشرة، بقدر ما تطرح الموقف الكلي لإنسان الحضارة على بساط اعادة النظر. فكما قيل أن الفلسفة نشأت من تأمل الموت، كذلك يمكن القول أن معرفة الذات تبدأ من توقف العمل ، من النكوص والارتداد، من الفشل ذاته ".
فالوحدة ، وإن كانت جزئية، قد قامت، والانفصال أصبح واقعا ملموساً في حياة الأمة العربية، واصطحب، معه موقف الدهشة الممزوج بالكثير من عوارض الخوف على مستقبل الأمة العربية، وقد طرح بالفعل الموقف الكلي لانسان الواقع العربي المعاصر. وبدأ الناس يدرسون الذات العربية، كل ذلك لتوقف العمل، بمعنى لتوقف الوحدة، وان مرحليا ، بارتدادها بفعل عوامل داخلية وخارجية الى حركة انفصالية. فهل الانفصال بحد ذاته تعبيراً عن فشل الوحدة والتجربة ؟
أم أن الوحدة شيء حي بذاته، والانفصال لحظة توقف اصطناعية لدم يسير في جسد الأمة العربية؟ وهل الخطأ في الوحدة كفكرة، أو الخطأ في الوحدة التي قامت عام 1958 كتجربة وتطبيق؟
الرد على الأسئلة السابقة يتحدد بالاجابة على أسئلة أخرى هي :
1- ما هي العوامل الخارجية والداخلية، التي أدت إلى قيام الوحدة متمثلة في الجمهورية العربية المتحدة في الثاني والعشرين من فبراير (شباط) عام 1958؟
2- كيف سارت الأمور داخل الدولة الوحدوية ومن حولها أثناء عمرها؟ وكيف واجهها العالم؟
3- ما هي العوامل التي أدت الى الانفصال قي الثامن والعشرين من سبتمبر (ايلول) عام 1961؟.
الكتاب بمضمونه الكلي يرد على الأسئلة الثلاثة السابقة.
محمد عبد المولى الزعبى
فصل تمهيدي
العلاقات المصرية السورية قبل الوحدة
ان تحديد تاريخ معين، لبداية العلاقات المصرية السورية ضرب من المستحيل لا يمكن ادعاؤه. بل ان هذه العلاقة قد قامت على مر العصور ومختلف الأزمان، وقبل أن تدخل الدولتان في رحاب الدين الإسلامي.
وما يهمنا في هذا المجال هو الالتقاء المباشر الذي قربته الظروف المتشابهة التي أحاطت بالبلدين، خاصة بعد قيام الثورة المصرية في 23 يوليو عام 1952، حيث أعلنت هذه الثورة عن اهـدافها وتبينها للدائرة العربية التي هي أهم دوائر السياسة الخارجية المصرية على الاطلاق (1).
أما متى برزت الشخصية العربية في مصر فهذا تاريخ لا ندعي بانه جديد على الإطلاق. ولكن ما يهمنا قوله هنا أن تجزئة البلاد العربية واقتسامها بين الانتدابين البريطاني والفرنسي قد أدت الى تثبيط العزائم بالتفكير في أي تعاون فعال فيما بين الدول العربية في فترة ما بين الحربين، ولذا راح زعماء مصر الوطنيون يتطلعون الى اتجاهات أخرى لضمان المساعدة لشعبهم (2). وخلال الحرب العالمية الثانية شعر الزعماء المصريون بحاجتهم الى اقتحام السياسات العربية عندما اتضح أن البلاد العربية ستحقق استقلالها، وستنظم نفسها في جامعة تكون وسيلة لاتحاد عربي، حتى ولو كانت تحت وصاية بريطانية. أن لمصر العديد من الأسباب التي تؤيدها في هذا الاتجاه أهمها أن تحول بين زعماء العرب الآخرين، ولا سيما الهاشميين، وبين انشاء دولة عربية كبيرة يتولى زعامتها الهاشميون، وبذلك لا تصبح تلك الدولة الموحدة موازنة لمصرفقط ، بل ربما فاقتها في قوتها. وهذا التفكير له ما يبرره منطقياً . كانت مصر تحصر همّها في التخلص من الاحتلال البريطاني، وكانت العائلة الهاشمية قد تعاونت مع الانكليز أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى، وإذا ما قامت دولة عربية متحدة بقيادة الأسرة ستكون عوناً لانجترا، وهذا ما يضعف موقف مصر من جلاء الاحتلال عن أراضيها.
قامت الجامعة العربية، وتولت مصر فيها دوراً قيادياً، وقامت حرب فلسطين في عام 1948 فاشتركت مصر فيها. وهذان الحدثان أبرزا شخصية مصر كبلد عربي على المستوى السياسي العملي وعلى المستوى النفسي، وهذا أهم المستويين (3).
وقامت ثورة يوليو لتعلن عن شخصيتها العربية بعد أن تخلصت من قوات الاحتلال. وانفتحت الثورة ذهنياً على من حولها فإذا بها تجعل " العناصر الثورية المتقدمة في الوطن العربي تتفاعل معها بعد أن كانت قد قاومت الانقلاب بالنسبة لاختباراتها السابقة مع الانقلابات العسكرية خاصة مع سوريا. وأدى هذا التفاعل المستمر الى تلقيح الانقلاب في مصر بالجانب الثوري التقدمي في الفكر العربي الحديث ( 4). أن تبنى سياسة الحياد الإيجابي بعد عقد صفقة الأسلحة التشيكية والاشتراك الفعال في معركة التحرر العربي " لم يكونا الا التعبيرين عن الذهنية المنفتحة على متطلبات الثورة العربية المعاصرة (5). " ونرى أن الحركة العسكرية المصرية وقد التزمت بتغييرات جذرية على الصعيد الداخلي، السياسي والاجتماعي ، " وعلى أثر وضوح التزام الانقلاب المصري (6) لحركة القومية العربية التقدمية تحول الإنقلاب الى ثورة وأصبح الوضع الثوري في مصر وضعا طليعيا كوّن لذاته مركزاً قيادياً رئيسياً في الحركة الشعبية. وهكذا أثبتت الانقلابية العسكرية في مصر ذهنية ثورية لم نعهدها، وبكل صراحة لم نكن ننتظرها " (7).
وخلال السنوات الأربع التي مرت على مصر، ابتداء من قيام الثورة حتى العدوان الثلاثي ، كانت الأحداث المتتالية تعصف بأجزاء الوطن العربي و خاصة تلك المتعلقة بالمشرق، وعلى وجه أخص ازاحة دكتاتورية أديب الشيشكلي في فبراير عام 1954، وتسلم السلطة في سوريا تكتلا اختلفت اتجاهاته، ولكن القوى الثورية السورية كان لها الغلبة في النهاية ورجحت التفاعل الثوري بين مصر وسوريا. وتسجيل العلاقات المصرية السورية انما هو تسجيل لبداية التفاعل والاندفاع نحو الوحدة بين القطاعين الفكري والعملي ، الأول يتمثل في القوى الوحدوية الثورية الأصيلة في الشعب السوري وأهمها البعث والثاني يتمثل في الثورة المصرية وقيادتها.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية تحررت سوريا من الاحتلال ، وفي نفس الوقت أدى تعاظم حركة التحرر في بقية الأقطار العربية إلى أن تفتش عن وسيلة الاتصال ببعضها وان تحطم الحدود المصطنعة " وتشكل حداً ثورياً يصعد من قاعدة الهرم للأمة بكاملها ( " وكان لا بد للاستعمار من أن يفتش بدوره عن وسيلة يمنع هذا الاتصال، هادفاً من ذلك الى تجزئة وحدة النضال القومي وقوفاً بوجه بروز دولة عربية كبرى ، فمهد لنكبة فلسطين وانشأ دولة اسرائيل ، ودعم الفئة الحاكمة الموالية له في كل دولة عربية، وجمد حركة الوعي الثوري الجماهيري بالطغيان والارهاب. ولكن التاريخ كات قد حسر عن الروح الأصيلة للأمة العربية على أنه يجب بعثها عن طريق عمل ذاتي من أعمال الاعتراف ‘ اذ لا يمكن الاقرار بمكانة الأمة العربية بين أمم العالم المتحضرة الا نتيجة للقيام بعمل مصمم يجسد هذه الارادة بشكل مادى.
وعلى هذا الأساس بدأت الحركة الجماهيرية العربية تبحث عن وسيلة لتجسيد ارادتها بشكل مادي، فما وجدت أفضل من سوريا ومصر. وكان اللقاء أول ما كان في السياسة الخارجية للبلدين، ثم تشعب ليصل الى الاهتمام بالسياسة الداخلية.
على أن مركز سوريا بالنسبة لدول المشرق العربي ، ومركز مصر بالنسبة للدول العربية الواقعة في الشمال الإفريقي قد جعلهما نقطتي ارتكاز وانطلاق الى بقية الاقطار العربية : من هنا جاء تنسيق السياستين الخارجيتين للدولتين، ثم ميثاق الدفاع المشترك فيما بينهما.
1- مركز سوريا في قلب المشرق العربي :
كانت سوريا قبل الوحدة محط أنظار الدول العربية المحيطة بها من ناحية، ومعرضة لأفدح الأخطار من المؤامرات الخارجية من ناحية ثانية. ويكفي أن يذكر الإنسان ذلك الجو النفسي الذي عاشه الشعب السوري عشية يوم الوحدة حتى يدرك العوامل التي دفعته الى طلب الوحدة.
نظرة إلى الأنظمة السائدة في الدول المحيطة بسوريا، تعكس الإتجاهات السياسية الي كانت تأخذ مجراها، بعضها سطحي وبعضها عميق، في واقع الحياة السورية، هذه الاتجاهات العنيفة هي التي دفعت ( باتريك سيل ) في كتابه (الصراع حول سوريا) الى أن يقول بأن من استطاع السيطرة على سوريا أمكنه أن يحكم المشرق العربي كله .. لا بل منطقة الشرق الأوسط بأسرها (9).
تقع سوريا شرق البحر الأبيض المتوسط ، يحدها من الشمال تركيا التي تتصل مباشرة بالاتحاد السوفييتي، وهي عضو في حلف الأطلسي ، وعضو مؤسس في حلف بغداد، وكانت تحكم سوريا حتى الحرب العالمية الأولى . وسوريا هي البوابة الغربية الشمالية للعراق حيث البترول، وهذه قد ارتبطت بالغرب وعضو مؤسس في حلف بغداد (10) ، ولها أطماعها الهاشمية في سوريا. ويحدها من الجنوب فلسطين المحتلة ومن الغرب الجنوبي لبنان ، وفي جنوبها الشرقي تقع المملكة الأردنية. وعلى هذا فهي في قلب المشرق العربي . فالاستعمار والقوى الأجنبية في المنطقة يهمها السيطرة على سوريا لأنها بموضع القلب والمدخل الساحلي الغربي للشرق الأوسط.
وإذا ما ترجمنا هذا الواقع الجغرافي الى واقع سياسي . في المجالين الدولي والعربي ، فان الأمر يبدو من أعقد الأمور .
تقع سوريا وسط التيارات المتعارضة التالية : انها بمثابة مرآة للمصالح الحيوية في المجال الدولي بحيث انها تستحق أهتماما خاصا. وحقا ، فان مصالحها الداخلية ليس لها أهمية في الكثير من الأحيان ، اللهم الا باتصالها بالمضمون الواسع لذلك المجال ، أولا بالنسبة لجيرانها العرب، وثانيا بالنسبة للقوى الكبرى ذات المصلحة. وليس صدفة أن تعكس سوريا في بنيانها السياسي الداخلي منافسات جيرانها حيث انه من يود أن يحكم الشرق الأوسط يجب عليه أن يسيطر على سوريا (11) . وهناك العديد من الأسباب المؤيدة لوجهة النظر هذه :
الأول : هو الموقع الاستراتيجي لها ، فهي حارسة المسالك الشمالية- الشرقية المؤدية لمصر. و تحرس خط اليابسة الممتد من العراق للبحر الأبيض المتوسط ، وهي رأس شبه الجزيرة العربية و الحدود الشمالية للعالم العربي .
الثاني : هو أن سوريا يمكنها أن تقول بأنها كلا من رأس وقلب الحركة القومية منذ بدايتها في نهاية القرن الماضي ، فهي قد ولدت الأفكار السياسية ، وهي مركز الأحلام الكثيرة (12).
الثالث : وكما انها كانت بمثابة مركز المنافسات بين الدول العربية ، فانها كانت أيضا الرابطة التي تمت بموجبها التسويات الدبلوماسية الكبيرة التي جرت قبل كل من الغرب والاتحاد السوفييتي . هذه المنافسات وتلك التسويات التي كانت ، وإلى حد كبير ، على مخطط السياسات السورية الداخلية التي خاضت المعارك الفاصلة مع حلف بغداد و مبدأ أيزنهاور والمزايدة السوفييتية لجلب سوريا داخل تأثير الدائرة السوفييتية في عام 1957. ولقد كان أخد المسائل السابقة بعين الاعتبار هو الذي يحدد مستوى النجاح أو السقوط على صعيد السياسة الداخلية.
الرابع : وماسبق لا يدعو للقول بأن سوريا قد ظهرت كنقطة أساسية قي المزاحمات الدولية فقط ، بل لقد كانت السياسة الداخلية السورية معقدة الى أبعد الحدود ، ، " حيث أن التقسيم الداخلي للأفكار الرئيسية فيها ثرى الغناء ، وخاصة ما يتعلق منها بالسياسة العربية . ويجب ان لا نعتقد ، من ثم ، انها الضحية لمشاجرات شعب آخر . حيث انه وفي الكثير من الأحيان العكس هو الصحيح . بمعنى لقد صدر الخلاف من داخل سوريا الى جيرانها وتعداهم ، وإذا ما فتشنا عن أسباب أزمة دولية محزنة فإن الخيط يقودنا في بعض الأحيان الى دمشق .
" ان سوريا تشبه فحص عينة محددة من سياسة معرض الأحياء المائية للشرق الأوسط .. ان العديد من المباديء والاتجاهات السياسية في العالم العربي اليوم أما أنها أنبعثت منها أو يمكن رؤيتها فيها بوضوح خاص. " (13) .
مهما يكن فانه مع بداية الخمسينات من هذا القرن بدأنا نلاحظ " أن كل المؤامرات الاستعمارية والأجنبية بدأت وتركزت على سوريا بالذات " ، ولهذا أسبابه. أولا لموقعها من التيارات العالمية المتصارعة في المنطقة. وثانياً لأنها االبلد العربي الذي حمل لواء فكرة الوحدة العربية عندما كانت بقية الدول العربية لا تعرف معنى الوحدة الا على أساس من السيطرة والتسلط والحكم مثلما حدث مع الاسرة الهاشمية في بداية هذا القرن ، وفي الحرب العالمية الأولى اثناء ثورة الشريف حسين .
لقد جابهت سوريا في عام 1957من الضغوط ، لو وجهت لأي بلد عربي آخر لما تمكن من الصمود كما فعلت هي . هذا في اعتقادنا السبب المباشر الذي دفع سوريا لطلب الوحدة في عام 1958
2- تنسيق السياستين الخارجيتين لمصر وسوريا:
يسجل تاريخ قيام جامعة الدول العربية في عام 1944 نقطة تاريخية هامة في العلاقات بين الدول العربية عامة، وبين مصر وسوريا بشكل خاص. وكذلك يمكن القول أن ما تركته حرب فلسطين من تأثير على الدول العربية وعلاقاتها بالعالم الخارجي يمثل نقطة التقاء أخرى بين السياستين الخارجيتين للدولتين . ولكن ما يهمنا في هذا البحث هي الفترة التي تبتديء مع قيام الثورة المصرية ولقائها بعد خريف عام 1954 بالحكم الوطني الذي قام في سوريا نتيجة للاطاحة بحكم العقيد أديب الشيشكلي.
ومن ناحية أخرى، يمكن القول على وجه التحديد أن بداية تنسيق السياستين الخارجيتين لمصر وسوريا، من الناحية العملية، قد بدأت مع الدعوة الى مؤتمر باندونج . هذا، ولا يخفي اتخاذ الحكومتين موقفاً بالنسبة للاتفاق العراقي التركي، الذي سمى حلف بغداد فيما بعد، كما سيأتي تفصيله في حينه.
كانت حكومة الثورة في مصر قد أجرت اتصالات مع الحكومة السورية قبل انعقاد مؤتمر باندونج، وذلك لانتهاج سياسة عربية موحدة، تهدف لابراز الشخصية العربية في المجال الدولي، وتعمل بتنسيق مدروس من أجل تقوية المواقف العربية في المحافل الدولية. ولاقت هذه الدعوة قبولا من الحكومة السورية. وعقب زيارة لسوريا قام بها وفد مصري برئاسة صلاح سالم أعلن في دمشق في الثاني من مارس سنة 1955، وبعد أسبوع من تاريخ توقيع معاهدة التضامن العراقي التركي في 24 فبراير (شباط) أعلن بيان مشترك كان أهم ماجاء فيه ما يلى :
1- عدم الانضمام الى الحلف التركي العراقي أو أية أحلاف أخرى .
2- اقامة منظمة دفاع ، وتعاون اقتصادي عربي مشترك.
3- الاتصال بالحكومات العربية لعرض أسس ومباديء البيان المشترك ودعوة الدول العربية للموافقة عليها.
4- انتهاج سياسة عربية مستقلة وموحدة (14).
وحتى تكون الدعوة أعم وأشمل، تبع هذا البيان تشكيل وفد مصري سوري مشترك قام بزيارة لكل من لبنان والأردن والسعودية والعراق. وكانت نتائج زيارة الوفد المشترك متباينة. تقبلت السعودية مباديء وأسس البيان المصري السوري ، أما الأردن فقد تظاهر بالحياد، وكذلك فعل لبنان. اما حكومة العراق فقد غيرت مجرى الحديث والهدف من الزيارة وحاولت أن تقنع الوفد " بأن الاتفاق العراقي التركي لا يخرج عن التعاون بين الجارين "..
ولكن المفاجأة حدثت عندما انضمت بريطانيا للاتفاق بعد رجوع الوفد بقليل (15)، وبالتحديد في 30 مارس 1955، وأعلنت بريطانيا ان الاطار الدفاعي لحلف بغداد حل محل اتفاقية سنة 1930 مع العراق.
من هنا، ومما انتهت إليه الزيارة من نتائج ، ظهر في الأفق العربي أن معسكرين سيشكلان: معسكر يضم مصر وسوريا من جهة، ومعسكر تقوده بغداد.
كان مؤتمر باندونج أقوى لقاء على مستوى السياسة الخارجية الدولية بين مصر وسوريا في تلك المرحلة. ولعل من أهم نتائج مؤتمر باندونج المباشرة، وفيما يخص العرب وقضاياهم هي تحويل ذلك التوازي في الانتصارات الثورية بين مصر وسوريا، الى اتفاق رسمي من أجل تدعيم سياسة عدم الانحياز، ومحاربة حلف بغداد، وأهدافه في المنطقة العربية، والدعوة للوحدة العربية المباشرة. ولذلك فقد انتقلت مصر بثورتها الجديدة الى مرحلة التفاعل التام بالسياسة العربية، فدخلت هذه الحلبة بوجه تحرري مضئ نقل لأول مرة أيضاً الثورة العربية من مستوى العمل الجماهيري الى مستوى انبثاق دولة عربية، ذات تنهيج تحرري واضح ". (16).
ولما انتهى إليه مؤتمر باندونج من نتائج ايجابية على الصعيد الدولي، واعلان مصر الواضح لانتهاج سياسة خارجية موحدة ومتحررة ، بدأ الغرب ينظر بعين غير مرتاحة لهذه السياسة الحيادية من المعسكرين ، وبدأت بوادر أزمة تستفحل بين مصر والغرب لها العديد من الأسباب أهمها رفض الغرب تمويل العرب بالسلاح .
ولكن القيادة الثورية في مصر استطاعت أن تعلن بداية ثورتها الواضحة والصريحة ضد الاستعمار الغربي وأعلنت كسر طوق حصار السلاح . هذا الإعلان الذي كان نصراً مبدئياً عظمت نتائجه كلما تقدمنا في تسجيل الأحداث التي نجمت عنه. وهكذا أعلنت الثورة عن حاجتها للسلاح للدفاع عن مصر تجاه التهديد الإسرائيلي ، ولما رفض الغرب امداد مصر بالسلاح أعلنت الثورة انها ستشتري السلاح ممن يبيع، ما دامت صفقة البيع هذه لا تفرض أية شروط من نوع تلك الشروط التي دأبت دول الغرب في فرضها على العرب للتدخل في شؤونهما الداخلية والخارجية على حد سواء. (17)
3- ميثاق الدفاع المشترك بين مصر وسوريا
مع خريف عام 1955 اشتدت الدعوة لحلف بغداد وبدأت العراق وتركيا تمارسان ضغطاً عنيفاً على سوريا للدخول في هذا الحلف. و لكن الوعي الشعبي والجيش السوري وبعض الأحزاب التقدمية أتلفوا التأثيرات والضغوط العنيفة وان لم يزيلوا تأثيرها تماماً .
وأمام الوضع المتفاقم من تأثير حلف بغداد و ضغطه على سوريا جرت في أوائل سبتمبر عام 1955 مفاوضات بين مصر وسوريا أدت الى توقيع ميثاق دفاع عسكري مشترك بين الدولتين. ولقد وقع هذا الميثاق للدفاع العسكري المشترك تطبيقاً للبيان الصادر في دمشق في 2/3 نتيجة للزيارة التي قام بها وفد مصري برئاسة صلاح سالم كما ذكرنا سابقاً . ورفض البيان المذكور انضمام البلدين الى الحلف العراقي التركي، وحث في نفس الوقت على اقامة منظمة للدفاع المشترك وإقامة تعاون اقتصادي عربي مشترك.
تتابعت المفاوضات في شهري سبتمبر وأكتوبر ( أيلول وتشرين اول) من عام 1955، حتى انتهت في 22 من أكتوبر الى عقد اتفاق مشترك يقضي بتقوية وتوثيق التعاون العسكري حرصاً على استقلال الدولتين وسلامتهما (18) .
وذكرت في مقدمة البيان أن الحكومتين المصرية والسورية توطيداً لمبادئ ميثاق جامعة الدول العربية وتوكيداً لاخلاصهما لهذه المبادئ، ورغبة منهما في زيادة تقوية وتوثيق التعاون العسكري حرصا على استقلالهما ومحافظة على سلامتهما واستقلالهما وتحقيقاً لأمانيهما في الدفاع المشترك عن كيانهما وصيانة للأمن والسلام وفقاً لمبادئ جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة، بناء لكل ذلك فقد أقامت الدولتان المتعاقدتان ميثاقاً عسكرياً للدفاع المشترك فيما بينهما (19).
وبعد اتفاقية الدفاع المشترك، قامت مفاوضات بين مصر وسوريا والاردن انتهت الى توقيع اتفاقية عسكرية ثلاثية بتاريخ 23 اكتوبر ( تشرين الأول ) عام 1956 . وكان الهدف من هذه الاتفاقية " توحيد وسائل الدفاع في الجبهة العربية ".
وتلا توقيع ميثاق الدفاع المشترك اتفاقية بين مصر وسوريا لتوحيد قيادة الجيشين في البلدين. وأهم ما جاء في هذه الاتفاقية البنود التالية:
1- توحيد الجيشين المصري والسوري في التسليح والتدريب وفي مواجهة أي خطر طاريء.
2- ارسال الضباط والخبراء المصريين وعلى وجه السرعة إلى سوريا ، للاسراع في تدريب القوات السورية على الأسلحة المصرية.
3- انفاذ الامدادات العسكرية من القوات المصرية الضاربة لتعزيز المقدرة الدفاعية للجيش السوري في معركة التهديدات الموجهة الى سوريا والممثلة في الحشود التركية والصهيونية.
وتنفيذاً لهذا الاتفاق كانت القوات المصرية في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1957 قد رابطت في شمال سوريا على الحدود التركية وفي الجنوب على الحدود الإسرائيلية (20).
والجدير بالذكر أنه بالإضافة الى ميثاق الدفاع العسكري المشترك وقع اتفاق اقتصادي بين مصر وسوريا بتاريخ 29 يناير ( كانون الثاني) عام 1956 جاء في مادته الأولى ما يلي :
"يبذل كل من الطرفين المتعاقدين ما في وسعه للوصول بالعلاقات التجارية بين بلديهما الى أقصى حد مستطاع وفقاً لأحكام هذا الاتفاق وفي حدود النظم الاقتصادية القائمة في كلا البلدين ".
وجاء بعد الاتفاق الاقتصادي المذكور، اتفاقية للوحدة الاقتصادية بين الجمهورية المصرية والجمهورية السورية ، جاء في مادتها الأولى : " تقوم بين مصر وسوريا وحدة اقتصادية كاملة ... " وهذه الوحدة الاقتصادية تضمن للدولتين ولرعاياها المساواة الكاملة فيما بينهما، كذلك نصت على حرية انتقال الاشخاص و رؤوس الأموال وحرية تبادل المنتجات الوطنية والأجنبية وحرية العمل وإلاقامة...... الخ . (21)
هوامش الفصل التمهيدي
(1) جمال عبد الناصر: " فلسفة الثورة " (المطبعة العالمية ، القاهرة 1953، الطبعة التاسعة) ص62
(2) كلوفيس مقصود : " أزمة اليسار العربي " (دار العلم للملايين ، بيروت " 1960 ، ص 136
(3) ليونارد بايندر : " الثورة العقائدية في الشرق الأوسط " ( ترجمة خيري حماد، دار القلم ، القاهرة ، 1966) ص 143
(4) كلوفيس مقصود: مرجع سابق، ص 136.
(5) المرجع السابق، ص 137.
(6) يجب التنويه الى أن استعمالنا لمصطلح " انقلاب " بخصوص الحركة العسكرية المصرية التي قامت صباح يوم 23 يوليو سنة 1952 انما هو تجاوزاً فقط حيث لم يتحول الانقلاب الى ثورة فعلية الا حين الغيت الملكية وصدر قانون الاصلاح الزراعي في سبتمبر عام 1953، وفي رأينا ان الثورة تبدأ حين يبدأ التغيير الى الأفضل بالنسبة لمصالح الشعب.
(7) كلوفيس مقصود: مرجع سابق. ص 36، وما تميزت به القيادة الثورية في مصر من ذهنية منفتحة كان العثرة الأولى التي وقفت في وجه السياسيين السوريين التقتليديين وميولهم نحو الاحتراف السياسي .
( مطاع صفدي : " الثورة في التجربة " (دار الطليعة ، بيروت، يونيو 1963) ص 244.
(9) Seal Patrick : " The Struggle for Syria " ( Oxford University Press , Oxford, 1965 ) , p.3
(10) أنظر الفصل الأول، المبحث الأول حيث تعرضنا لكيفية انشاء حلف بغداد ودور العراق فيه ، ص 17
(11) Seale : OP.Cit.P.3
(12) ليونارد بايندر: مرجع سابق ، انظر كذلك د. جلاد يحي : " العالم العربي الحديث " (دار المعارف، القاهرة، 1967) ص 665 حيث يقول : كانت سوريا هي الاقليم الذي ظهرت فيه الحركة التحررية العربية منذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر .
(13) Seale : op .Cit .p.1-2 .
اننا وان كنا لا نوافق المؤلف على كل أفكاره التي جاءت فى الفترات السابقة 0 الا أن ما اقتبسناه عنه يعطي صورة صادقة الى حد ما ، كما ينبعث من سوريا ، وحولها " لأجلها وضدها ، من انعكاسات على السياسة الدولية و الداخلية.
(14) جريدة الأهرام ، 3 مارس سنة 1955.
(15) ناجي علوش : " الثورة والجماهير " (دار الطليعة- بيروت- مايو 1962) ص 66. هذا وسنرى المزيد من التفاصيل عن موقف العراق وعن الاتفاق العراقي- التركي، حين الحديث عن حلف بغداد.
(16) مطاع صفدي : مرجع سابق- ص359.
(17) أما استيراد سوريا للاسلحة الشيوعية فسيأتي الحديث عنه في الباب الأول من الرسالة. راجع بهذا الخصوص وولتر لاكور: " الاتحاد السوفييتي والشرق الأوسط " (ترجمة لجنة من الأساتذة، المكتب التجاري ، بيروت، الطبعة الأولى ، 1959).
(18) نشر نص ميثاق الدفاع المشترك في جريدة (الأهرام) بتاريخ 10/11/1955 أنظر :
Ghali: " Middle Eastern Security Pacts "
( Revue Egyptienne De Droit Internationale, v,13,957) p.31
وكذلك : Seale : OP.Cit .p . 252 -255
(19) وأهم ما جاء فيه من نصوص ما يلي :
" وأعمالاً لما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة التاسعة من ميثاق جامعة الدول العربية قد اتفقتا على عقد اتفاقية لهذه الغاية " هذا والجدير بالذكر أن نص الفقرة المشار اليها هو التالي :
" لدول الجامعة العربية الراغبة فيما بينها في تعاون أوثق وروابط أقوى مما نص عليه هذا الميثاق اتخاذ ما تشاء لتحقيق هذه الأغراض ".
وأهم مواد ميثاق الدفاع المشترك هي :
مادة 1 : تؤكد الدولتان المتعاقدتان حرصهما على دوام الأمن والسلام واستقرارهما وعزمهما على فض جميع منازعاتهما الدولية بالطرق السلمية.
مادة 2: تعتبر الدولتان المتعاقدتان كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة منهما أو قواتهما اعتداء عليهما، ولذلك فانهما عملا بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن كيانهما تلتزمان بأن تبادركل منهما الى معونة الدولة المعتدي عليها وبأن تتخذ على الفور جميع التدابير وتستخدم ما لديها من وسائل. بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولاعادة الأمن والسلام الى نصابهما. وتطبيقا لأحكام المادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية والمادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة يخطر على الفور مجلس الجامعة العربية ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء وبما اتخذ بصدده من تدابير واجراءات.
" وتتعهد الدولتان المتعاقدتان بأن لا تعقد أي منهما صلحاً منفرداً مع المعتدي أو أي اتفاق معه دون موافقة الدولة الأخرى ".
هذا والجدير بالذكر أن نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من ميثاق الجامعة العربية هو التالي : " اذا وقع اعتداء على دولة من أعضاء الجامعة أو خشي وقوعه فللدولة المعتدي عليها أو المهددة بالاعتداء، ان تطلب دعوة المجلس للانعقاد فورا ". أما المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة فتنص على ما يلي : " ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم اذا أعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء " الأمم المتحدة " وذلك الى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ الى مجلس الأمن فوراً ، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس- بمقتضى سلطته ومسئولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق- من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو أعادته الى نصابة ".
مادة 5 : تنفيذاً لأغراض هذه الاتفاقية قررت الدولتان المتعاقدتان على انشاء- الأجهزة التالية: مجلس أعلى. مجلس حربي . قيادة مشتركة.
مادة 6: يتكون المجلس الأعلى من وزير الخارجية والحربية (الدفاع) للدولتين المتعاقدتين وهو المرجع الرسمي للقائد العام للقيادة المشتركة الذي يتلقى منه جميع التوجيهات العليا الخاصة بالسياسة العسكرية و يختص المجلس الأعلى بتعيين القائد العام وتنحيته ".
(20) د. جلال يحي : مرجع سابق، ص 674.
(21) تمت اتفاقية الوحدة الاقتصادية بين مصر وسوريا في أواخر سبتمبر (أيلول) عام 1957. وأهم ما جاء في الاتفاقية :
م 1 : تقوم بين مصر وسوريا وحدة اقتصادية كاملة.
1- حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال .
2- حرية تبادل المنتجات الوطنية والأجنبية.
3- حرية الاقامة والعمل والإستخدام وممارسة النشاط الاقتصادي.
4- حرية النقل والترانزيت واستعمال وسائل النقل والمرافيء والمطارات المدنية .
5- حقوق التملك والايصاء والارث.
م 2: للوصول الى تحقيق الوحدة المبينة في المادة السابقة. يعمل الطرفان المتعاقدان على مايلي:
1- جعل بلديهما منطقة جمركية تخضع لادارة موحدة وعلى توحيد التعريفة والتشريع
والأنظمة الجمركية المطبقة في كل منهما
2- توحيد سياسة الاستيراد والتصدير والأنظمة المتعلقة بها.
3- تنسيق سياسة النقل .
4- عقد الاتفاقات التجارية و اتفاقات المدفوعات مع البلدان الأخرى بصورة مشتركة أو التشاور فيها .
5- تنسيق السياسة المتعلقة بالزراعة والصناعة والتجارة الداخلية وتوحيد التشريع الاقتصادي بشكل يكفل لمن يعمل من رعايا البلدين المتعاقدين في الزراعة أو في الصناعة أو في التجارة والمهن شروطاً متكافئة .
6- تنسيق تشريع العمل والضمان الاجتماعي .
7- تنسيق تشريع الضرائب والرسوم الحكومية والبلدية وسائر الضرائب وسائر الرسوم الأخرى المتعلقة بالزراعة والصناعة والتجارة.
م3: تنشأ هيئة تدعى " لجنة الوحدة الاقتصادية المصرية- السورية ".
م4: الهيئة تتكون من عشرة اعضاء لكل جانب
5.......... الخ ...
راجع بهذا الخصوص (الأهرام الاقتصادي) عدد سبتمبر- اكتوبر 1957..
الباب الأول
أسباب دعوة سوريا للوحدة
تقسيم : ينقسم الباب الأول الى فصلين، أولهما متعلق بالأسباب الخارجية، الدولية والعربية والتي كان لها تأثيراً كبيراً على سوريا في طلبها الوحدة والتعجيل بتحقيقها. أما الفصل الثاني فيتعلق بالظروف الداخلية التي كانت تأخذ مجراها الخطير في الحياة السورية. وإذا كانت الأسباب الخارجية تعتبر بمثابة عوامل سلبية قد دفعت سوريا الى الوحدة أمام التهديدات بالغزو أو الانقلابات المؤيدة من الغرب، فإن الأسباب الداخلية لسوريا تتلخص في الوضع الحزبي والطبقي، ويضاف اليهما الدور الكبير الذي لعبه الجيش السوري في الحياة الداخلية.
الباب الأول
تقديم :
بعد حرب السويس في عام 1956 بدأت الأنظار تتجه الى سوريا لعلها تخضع للغرب بعد أن صمدت مصر سياسياً وعسكرياً واقتصادياً . وتركزت منذ ذلك التاريخ عوامل عدة في واقع الحياة الداخلية لسوريا متفاعلة ومنفعلة مع وضد الأحداث الخارجية. وجاءت تلك العوامل من المنطقة العربية أو من تفاعلات السياسة الدولية والحرب الباردة التي كانت على أشدها ما بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي.
وما يهمنا بحثه هنا هي تلك العوامل، أو الأسباب ، التي دخلت بشكل مباشر وعلني لتجعل سوريا تطلب الوحدة مع مصر كمخرج لا بديل عنه ان ارادت الأمة العربية أن لا تسقط سوريا بيد الشيوعية أو الرأسمالية.
ولقد كان من أهم الأحداث التي ظهرت في خمسينات هذا القرن في منطقة الشرق الأوسط هي التالية :
1- التصريح الثلاثي عام 1950 بضمان حدود اسرائيل من قبل الدول الغربية الكبرى (1).
2- منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط عام 1951.
3- حلف بغداد 1954- 1955.
4- العدوان الثلاثي على مصر 1956.
5- مشروع أو مبدأ الرئيس الأمريكى أيزنهاور 1957.
ويبحث الفصل لأول من هذا الباب العوامل الخارجية التي أدت الى الوحدة بين مصر وسوريا والتعجيل بقيامها. ان التصريح الثلاثي ومنظمة الدفاع عن الشرق الأوسط وحرب السويس، وان لم تكن كلها أسباب مباشرة للوحدة، الا أن حلف بغداد ومشروع أيزنهاور هما من الأسباب المباشرة التي دعت سوريا الى طلب الوحدة الفورية مع مصر. وكان لهذا الارتباط ما بين الحلف والمشروع من ناحية، وطلب الوحدة من ناحية ثانية، أسباب عديدة، أهمها ما ارتبط بضغط الحلف والمشروع على السياسة الخارجية والداخلية لسوريا وخاصة ما يتعلق بحلف بغداد ومحاولة العراق جر سوريا اليه ولو عن طريق انقلاب دموي يحدث في دمشق . كذلك ارتبط بمشروع ايزنهاور ما سمي آنذاك " الأزمة السورية " حيث أدعت الولايات المتحدة أن سوريا سقطت بيد الشيوعية الدولية وما على الدول الغربية والمحيطة بسوريا الا الهجوم عليها لتخليصها مما هي واقعة فيه.
لم تكن منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط وحلف بغداد ومشروع أيزنهاور سوى محاولات ذات هدف واحد، بأسماء مختلفة، تعمل لربط المنطقة العربية في المشرق بعجلة السياسة الغربية. وحتى تكتمل الصورة، كما بدت في العقد السادس من هذا القرن، لا بد من تسجيل كيفية اقتراح مشروع منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط ، وذلك كمقدمة لا غنى عنها لفهم تطورات قيام وأهداف حلف بغداد ومشروع إيزنهاور، وتأثيرهما على سوريا في طلبها الوحدة مع مصر في عام 1958.
بدأت سياسة الأحلاف الغربية بعد الحرب العالمية الثانية بانشاء حلف شمالي الأطلسي 1949. وسارت الدول الغربية على هذه السياسة فيما بعد، قاصدة أن تحيط الاتحاد السوفييتي ودول شرقي أوروبا الشيوعية بسياج عسكري من كل جانب. ومن الطبيعي أن توضع منطقة الشرق الأوسط ، بما فيها الدول العربية ، ضمن الاستراتيجية الغربية وصولا الى أحكام السياج العسكري حول الاتحاد السوفييتي والكتلة الشيوعية.
وأول بادرة صدرت من واضعي سياسة الأحلاف كانت عبارة عن اقتراح لاقامة منظمة دفاعية تشمل دول المنطقة وسميت " منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط ". وكان الاقتراح مشتركا من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا. ويهدف الى تأسيس سياج من القوى المؤيدة للغرب ضد المعسكر الشرقي على منوال ما حدث في أوروبا الغربية (2). وهذا هو الهدف الأول من اقتراح هذه المنظمة. وكان من المقرر أيضاً أن يكون هذا العرض في البداية طعماً لمصر، لأنها متى دخلت في معاهدة جديدة مع بريطانيا فمن الممكن أن تعوض هذه المعاهدة الجلاء عن قناة السويس اذا حصل في المستقبل، خاصة وان بوادر الحرب الفدائية ضد قوات الاحتلال البريطانية في قناة السويس قد بدأت تشتد في عام 1951. على أن اقتراح اقامة هذه المنظمة لاقى معارضة شديدة من مصر ومن بعض الدول العربية، وبدأت هذه الدول ترى في مثل هذه المعاهدة خلق دول لا تعدو كونها دمي بالقياس الى الغرب (3).
وما أن بدأت الأسئلة والمناقشات تثور بخصوص الأهداف والمرامي الحقيقية لهذا المشروع المقترح، وبعد رفض كل من مصر وسوريا، جاء وزير خارجية الولايات المتحدة- جون فوستر دالاس- في صيف عام 1953 وزار بعض دول المنطقة. ولما عاد وزير الخارجية الأمريكية من رحلة التحقيق هذه كان تقريره عن فرص نجاح اقامة دفاع مشترك اقليمي في الشرق الأوسط بعيدا عن التفاؤل (4).
وانتهى الأمر بهذا الفشل للمشروع المقترح ولم تتجدد الدعوة لاقامة أحلاف في المنطقة الا في ربيع عام 1954 حيث انتهت الى عقد اتفاق دفاعي بين أنقرة وكراتشي قدر له فيما بعد أن يكون حجر الزاوية في الحزام الشمالي، وهو ما سمي عام 1955 بحلف بغداد.
وعند ذاك بدأت الجماهير، لأول مرة، تعي مضار أمثال هذه المنظمة ضد الأقطار العربية. وما لبث أن سقطت كل تلك الجهود وساعدت في تحريك المشاعر ضد الغرب داخل سوريا بشكل لم يسبق له مثيل، وكذلك فعلت في بقية الدول العربية . ولم تنته خطة انشاء هذه المنظمة الى أية نتيجة ايجابية عندما رفضتها مصر (5) ، ذلك انها اقترحت ضم بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وتركيا ومصر. وبعد انضمام مصر اليها يصبح دخول كل من العراق وسوريا تحصيلا حاصلاً (6).
على أن تلك العوامل الخارجية لم تكن وحدها هي التي دفعت سوريا الى التعجيل بطلب الوحدة الفورية، بل يمكن القول انه كان لتلك العوامل انعكاساتها على الحياة السياسية الداخلية، بالقدر الذي كانت تلك العوامل الداخلية تعكس نفسها على الخارج، وخاصة على دول المنطقة المحيطة بسوريا. فتعدد الأحزاب السورية والاقطاع والعشائرية والرأسمالية والبورجوازية والفئة العسكرية كلها كانت مجموعات متمايزة ومتناقضة ومتنافرة ومتقاتلة في بعض الأحيان. ولقد كان أي حادث داخلي يعكس نفسه على الدول الخارجية التي منها المؤيد لهذا الحدث ومنها المعارض له. وكذلك الحال بالنسبة لأي حدث خارجي إذا كان يجد انعكاساته وصداه في الداخل أن لدى الأحزاب والطبقات أو العسكرية السورية.
ولقد عاشت سوريا قبل الوحدة بعامين واقعاً مؤلماً ومحزناً . ولم يعد أمامها الا الاتجاه نحو القاهرة. وكانت الوحدة.. خلاصا من ذلك الواقع بغض النظر عن كونها مطلباً جماهيرياً أثبت صدق الشعب السوري وإخلاصه وتضحيته في سبيله (7) .
والفصل الثاني يتناول العوامل أو الأسباب الداخلية التي دعت سوريا الى طلب الوحدة. وهنا نتناول بالبحث الأحزاب السورية والطبقة البورجوازية والعسكرية.
هوامش
(1) وهذه الدول هي : الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا
(2) Campell,John. " Defence of the Middle East " , ( Harper &Brother ,New York , 1960 ) p.40
(3) غاي ونت : " أزمة الشرق الأوسط " ( ترجمة الراصد العربي ، منشورات عويدات ، بيروت ، 1957 ) ص 37 – 38 .
(4) Campell , op .Cit .p.42
(5) Ibid p .43
(6)
Kerr,M: The Arab Cold War , 1958-1964 , Oxford University Press , Oxford ,1965 p.5
(12)محمد حسنين هيكل : " ماالذي جرى في سوريا " ( الدار القومية ، القاهرة ، 1962 ) ص 22
عدل سابقا من قبل صالح عيسى في السبت يناير 16, 2010 9:39 am عدل 2 مرات
الأربعاء يونيو 22, 2016 6:44 pm من طرف khaled
» القضاء الاداري يصدر حكما بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية
الثلاثاء يونيو 21, 2016 5:25 pm من طرف khaled
» جبتلكو سلسلة رويات رجل المستحيل المعروفة للتحميل المباشر
الإثنين ديسمبر 28, 2015 5:53 pm من طرف abazer
» العلاقات المصرية السودانية في عهد محمد علي وخلفاؤه
الجمعة يناير 17, 2014 10:28 am من طرف khaled
» انجولا وحظر الاسلام (1)
الخميس نوفمبر 28, 2013 12:21 pm من طرف Ibrahimovech
» التفسير الاقتصادي للتاريخ
الأربعاء يونيو 19, 2013 1:34 am من طرف khaled
» كرسي العناد ........ السلطة سابقا
الثلاثاء يناير 29, 2013 5:56 pm من طرف khaled
» جمهورية جزر القُمر الاسلامية الفيدرالية دراسة جغرافية
الأحد يناير 06, 2013 2:21 am من طرف khaled
» بعض الفروق السياسية بين المجلس العسكري الي حكم مصر بعد الثورة وبين الاخوان لما وصلوا للحكم
الأربعاء نوفمبر 28, 2012 6:14 pm من طرف khaled