التهجير (الترانسفير) والهجرة الاستيطانية
الترانسفير (التهجير) الغربي لبعض أعضاء الجماعات اليهودية
Western Transfer of Some Members of Jewish Communities
إن انتقال (هجرة) إنسان من وطن إلى أي مكان آخر عملية بالغة القسوة، فعلى هذا الإنسان أن يقتلع نفسه من جذورها ويستقر في مكان آخر، ويغيِّر نمط حياته بل ومنظومته القيمية أحياناً. وعملية نَقْل الإنسان قسراً (تهجير أو ترانسفير) مسألة وحشية. ومع هذا، يمكن القول بأن الحضارة الغربية الحديثة حضارة توجد داخلها إمكانية كامنة للهجرة والتهجير، فهي حضارة الترانسفير المستمر: أن ينتقل الإنسان بنفسه دائماً، ويقوم بنقل الآخرين.
والحضارة الغربية الحديثة تنظر لأعضاء الجماعات اليهودية باعتبارهم مادة بشرية تُنقل وتُوظَّف، لا يختلفون عن أية مادة بشرية أخرى. ومع هذا، فإن ثمة عناصر خاصة بالجماعات اليهودية جعلتهم عُرضة للنقل (الترانسفير) أكثر من غيرهم من العناصر البشرية:
1 ـ حلت أوربا مشكلة أعضاء الجماعات اليهودية منذ العصور الوسطى عن طريق طرد اليهود من إنجلترا ثم فرنسا فإيطاليا فألمانيا إلى أن استقر بهم المقام في بولندا وروسيا. وقد كانت عملية الطرد تتم في إطار أنهم جماعة وظيفية حركية يمكن توظيفها في أي مكان، فالجماعة الوظيفية لا ترتبط بوطن وإنما بوظيفة. وحينما بدأت الحركة الاستعمارية الاستيطانية الغربية أصبح يهود أوربا جزءاً لا يتجزأ منها، وتوجهت حركة الهجرة اليهودية حيثما توجَّه الاستعمار الاستيطاني الغربي. وهذا يعود بطبيعة الحال إلى أن اليهود أعضاء في جماعة وظيفية تتسم بالحركية وينظر لها المجتمع نظرة محايدة، فهي جزء يُوظَّف وموضوع يُستخدَم. ولذا، حينما تعثَّر التحديث في روسيا وشرق أوربا، طُرحت فكرة تهجير اليهود ونقلهم كحل للمسألة اليهودية.
2 ـ ومما ساعد على جعل فكرة نَقْل اليهود مطروحة دائماً تصوُّر الغرب لهم وتصوُّرهم هم لأنفسهم أحياناً كجزء من تاريخ يهودي مستقل عن التاريخ الأوربي، وبالتالي فهم ليسوا جزءاً من أوربا، وإن تواجدوا فيها فهم متواجدون على الهامش وحسب وبشكل عرضي مؤقت، وهي فكرة دعمها وضعهم الهامشي في العصور الوسطى.
3 ـ ارتبط اليهود دائماً بفكرة الخروج من المنفى (مصر ـ بابل) والتغلغل في كنعان (فلسطين)، وهو ما يوحي بأنهم دائماً في حالة خروج من المنفى (أوربا) وفي حالة ارتباط عضوي دائمة بفلسطين.
4 ـ ولا شك في أن الرؤية الدينية المسيحية البروتستانتية الحلولية رؤية حرفية ترى اليهود كياناً مستقلاً له تاريخ مستقل هو في جوهره امتداد للتاريخ التوراتي، وهي رؤية ترى أن روايات العهد القديم وأساطيره لا تزال لها دلالتها الحرفية ومصداقيتها «الآن وهنا». ومن أهم هذه الأساطير أسطورة الخروج من مصر. بل إن التاريخ اليهودي يبدأ، حسب هذه الرؤية، بهذا الخروج ويصل ذروته بعد الاستقرار في فلسطين، ثم يأتي بعد ذلك التهجير إلى بابل والعودة منها، ثم الخروج من القدس بعد سقوط الهيكل والأمل في العودة. وداخل هذا الإطار الأسطوري أصبحت مسألة نَقْل اليهود مطروحة على مستوى الوجدان الديني (المسيحي واليهودي).
5 ـ خلقت صهيونية غير اليهود (بديباجاتها المختلفة) المناخ الملائم لعملية النقل هذه، وقد تسربت هذه الرؤية إلى اليهود بكل حرفيتها بحيث بدأت قطاعات من اليهود تنظر لأعضاء الجماعات اليهودية باعتبارهم شيئاً يمكن نَقْله.
6 ـ أدَّى تدهور الدولة العثمانية وبروز أهمية فلسطين الإستراتيجية إلى زيادة الاهتمام بنَقْل اليهود نظراً لارتباطهم بفلسطين في الوجدان الغربي.
7 ـ يبدو أنه كان ثمة وهم أن فلسطين يمكن شراؤها، وهو موضوع يتكرر في الكتابات الصهيونية. وقد ذكر أحد المؤرخين الصهاينة أنه، في تلك الفترة، قامت أمريكا بشراء فلوريدا من إسبانيا وألاسكا من روسيا ولويزيانا من فرنسا. وهذا تعبير عن علمنة الحيز والمكان بشكل عام.
لكل هذا، يمكن القول بأن عملية نَقْل اليهود كانت مطروحة على الوجدان الغربي ولم تكن مسألة بعيدة عن الأذهان، وهو ما أدَّى إلى ظهور الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة. هذا لا يعني أن العوامل التي أسلفنا الإشارة إليها هي التي أدَّت إلى نَقْل اليهود وتهجيرهم، فمثل هذا القول بسيط ساذج ومخل يسقط في السببية البسيطة. وكل ما نقوله هو أن هذه العوامل خلقت المناخ العاطفي الذي يسمح بتقبُّل مثل هذه الفكرة الوحشية الهمجية. وقد طُرح مشروع نَقْل اليهود بشكل جماعي من رومانيا، وقد استحسنه القنصل الأمريكي في بوخارست وعارضه زعماء الجماعة اليهودية هناك.
ولكن الصهيونية بين اليهود قامت بتهويد الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة حتى أصبح من اليسير على أعضاء الجماعات اليهودية استبطانها وأصبح الترانسفير مسألة مطروحة داخل وجدانهم.
الترانسفير (التهجير) الغربي لبعض أعضاء الجماعات اليهودية
Western Transfer of Some Members of Jewish Communities
إن انتقال (هجرة) إنسان من وطن إلى أي مكان آخر عملية بالغة القسوة، فعلى هذا الإنسان أن يقتلع نفسه من جذورها ويستقر في مكان آخر، ويغيِّر نمط حياته بل ومنظومته القيمية أحياناً. وعملية نَقْل الإنسان قسراً (تهجير أو ترانسفير) مسألة وحشية. ومع هذا، يمكن القول بأن الحضارة الغربية الحديثة حضارة توجد داخلها إمكانية كامنة للهجرة والتهجير، فهي حضارة الترانسفير المستمر: أن ينتقل الإنسان بنفسه دائماً، ويقوم بنقل الآخرين.
والحضارة الغربية الحديثة تنظر لأعضاء الجماعات اليهودية باعتبارهم مادة بشرية تُنقل وتُوظَّف، لا يختلفون عن أية مادة بشرية أخرى. ومع هذا، فإن ثمة عناصر خاصة بالجماعات اليهودية جعلتهم عُرضة للنقل (الترانسفير) أكثر من غيرهم من العناصر البشرية:
1 ـ حلت أوربا مشكلة أعضاء الجماعات اليهودية منذ العصور الوسطى عن طريق طرد اليهود من إنجلترا ثم فرنسا فإيطاليا فألمانيا إلى أن استقر بهم المقام في بولندا وروسيا. وقد كانت عملية الطرد تتم في إطار أنهم جماعة وظيفية حركية يمكن توظيفها في أي مكان، فالجماعة الوظيفية لا ترتبط بوطن وإنما بوظيفة. وحينما بدأت الحركة الاستعمارية الاستيطانية الغربية أصبح يهود أوربا جزءاً لا يتجزأ منها، وتوجهت حركة الهجرة اليهودية حيثما توجَّه الاستعمار الاستيطاني الغربي. وهذا يعود بطبيعة الحال إلى أن اليهود أعضاء في جماعة وظيفية تتسم بالحركية وينظر لها المجتمع نظرة محايدة، فهي جزء يُوظَّف وموضوع يُستخدَم. ولذا، حينما تعثَّر التحديث في روسيا وشرق أوربا، طُرحت فكرة تهجير اليهود ونقلهم كحل للمسألة اليهودية.
2 ـ ومما ساعد على جعل فكرة نَقْل اليهود مطروحة دائماً تصوُّر الغرب لهم وتصوُّرهم هم لأنفسهم أحياناً كجزء من تاريخ يهودي مستقل عن التاريخ الأوربي، وبالتالي فهم ليسوا جزءاً من أوربا، وإن تواجدوا فيها فهم متواجدون على الهامش وحسب وبشكل عرضي مؤقت، وهي فكرة دعمها وضعهم الهامشي في العصور الوسطى.
3 ـ ارتبط اليهود دائماً بفكرة الخروج من المنفى (مصر ـ بابل) والتغلغل في كنعان (فلسطين)، وهو ما يوحي بأنهم دائماً في حالة خروج من المنفى (أوربا) وفي حالة ارتباط عضوي دائمة بفلسطين.
4 ـ ولا شك في أن الرؤية الدينية المسيحية البروتستانتية الحلولية رؤية حرفية ترى اليهود كياناً مستقلاً له تاريخ مستقل هو في جوهره امتداد للتاريخ التوراتي، وهي رؤية ترى أن روايات العهد القديم وأساطيره لا تزال لها دلالتها الحرفية ومصداقيتها «الآن وهنا». ومن أهم هذه الأساطير أسطورة الخروج من مصر. بل إن التاريخ اليهودي يبدأ، حسب هذه الرؤية، بهذا الخروج ويصل ذروته بعد الاستقرار في فلسطين، ثم يأتي بعد ذلك التهجير إلى بابل والعودة منها، ثم الخروج من القدس بعد سقوط الهيكل والأمل في العودة. وداخل هذا الإطار الأسطوري أصبحت مسألة نَقْل اليهود مطروحة على مستوى الوجدان الديني (المسيحي واليهودي).
5 ـ خلقت صهيونية غير اليهود (بديباجاتها المختلفة) المناخ الملائم لعملية النقل هذه، وقد تسربت هذه الرؤية إلى اليهود بكل حرفيتها بحيث بدأت قطاعات من اليهود تنظر لأعضاء الجماعات اليهودية باعتبارهم شيئاً يمكن نَقْله.
6 ـ أدَّى تدهور الدولة العثمانية وبروز أهمية فلسطين الإستراتيجية إلى زيادة الاهتمام بنَقْل اليهود نظراً لارتباطهم بفلسطين في الوجدان الغربي.
7 ـ يبدو أنه كان ثمة وهم أن فلسطين يمكن شراؤها، وهو موضوع يتكرر في الكتابات الصهيونية. وقد ذكر أحد المؤرخين الصهاينة أنه، في تلك الفترة، قامت أمريكا بشراء فلوريدا من إسبانيا وألاسكا من روسيا ولويزيانا من فرنسا. وهذا تعبير عن علمنة الحيز والمكان بشكل عام.
لكل هذا، يمكن القول بأن عملية نَقْل اليهود كانت مطروحة على الوجدان الغربي ولم تكن مسألة بعيدة عن الأذهان، وهو ما أدَّى إلى ظهور الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة. هذا لا يعني أن العوامل التي أسلفنا الإشارة إليها هي التي أدَّت إلى نَقْل اليهود وتهجيرهم، فمثل هذا القول بسيط ساذج ومخل يسقط في السببية البسيطة. وكل ما نقوله هو أن هذه العوامل خلقت المناخ العاطفي الذي يسمح بتقبُّل مثل هذه الفكرة الوحشية الهمجية. وقد طُرح مشروع نَقْل اليهود بشكل جماعي من رومانيا، وقد استحسنه القنصل الأمريكي في بوخارست وعارضه زعماء الجماعة اليهودية هناك.
ولكن الصهيونية بين اليهود قامت بتهويد الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة حتى أصبح من اليسير على أعضاء الجماعات اليهودية استبطانها وأصبح الترانسفير مسألة مطروحة داخل وجدانهم.
الأربعاء يونيو 22, 2016 6:44 pm من طرف khaled
» القضاء الاداري يصدر حكما بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية
الثلاثاء يونيو 21, 2016 5:25 pm من طرف khaled
» جبتلكو سلسلة رويات رجل المستحيل المعروفة للتحميل المباشر
الإثنين ديسمبر 28, 2015 5:53 pm من طرف abazer
» العلاقات المصرية السودانية في عهد محمد علي وخلفاؤه
الجمعة يناير 17, 2014 10:28 am من طرف khaled
» انجولا وحظر الاسلام (1)
الخميس نوفمبر 28, 2013 12:21 pm من طرف Ibrahimovech
» التفسير الاقتصادي للتاريخ
الأربعاء يونيو 19, 2013 1:34 am من طرف khaled
» كرسي العناد ........ السلطة سابقا
الثلاثاء يناير 29, 2013 5:56 pm من طرف khaled
» جمهورية جزر القُمر الاسلامية الفيدرالية دراسة جغرافية
الأحد يناير 06, 2013 2:21 am من طرف khaled
» بعض الفروق السياسية بين المجلس العسكري الي حكم مصر بعد الثورة وبين الاخوان لما وصلوا للحكم
الأربعاء نوفمبر 28, 2012 6:14 pm من طرف khaled