ا0د زكي البحيري ،أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر ، كلية التربية جامعة المنصورة
نظرا للحالة التي عليها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر ، ونظرا للظروف السياسية الحساسة والقلقة دائما لهذا البلد بسبب وضعه الجيوبولوتيكي فإن من الضروري لبلدنا أن تسعى للتقدم ، وتتطلع للرقي خاصة أن العالم يتطور بسرعة كبيرة ، وجارنا ومنافسنا الأول ( إسرائيل ) تتقدم بسرعة صاروخية مخيفة ومقلقة . وبالطبع فإن المدخل الأول لتقدمنا هو تقدم التعليم لدينا ، ولذلك لزم الجهد الكبير لمعالجة مشاكل التعليم لدينا ، ووضع إستراتيجية لدفع العملية التعليمية للأمام بدرجة يمكنها أن تواكب التطور العالمي ، وبشكل يسمح باستخدام خريجي المراحل التعليمية في نواحي العمل والإنتاج ، وفي تطور العلم والبحث العلمي ، وفي منافسة الدول الناهضة والمتقدمة في التطور التكنولوجي الذي ينبني عليه الآن أي تقدم .
وفي العام الحالي جاءتنا أنفلونزا الخنازير اللعينة ، وكان مجيئها إنقاذا للدكتور يسري الجمل وزير التربية والتعليم من حالة الهجوم الواسع على التردي الذي يعاني منه التعليم ما قبل الجامعي في مصر خاصة في مراحل التعليم الثانوي ، الذي امتنع معظم طلابه عن الحضور المدرسي تقريبا ، فما أن جاءت تلك الأنفلونزا حتى رمى الوزير خلف ظهره معظم ما يخص العملية التعليمية الحقيقية ، وتحول الوزير إلى المفكر الأول والطبيب الأوحد لمعالجة فيروس أنفلونزا الخنازير في المدارس ، وأصبح عمل وزارة التعليم وشغلها الشاغل إصدار فتوى لقفل فصل دراسي أو إغلاق مدرسة أو عزل طالب في منزله ، وفي هذه الدوامة سقطت العملية التعليمية ، بل وتغاضت المدارس عن غياب الطلاب ، ومما زاد الطين بله أن الوزارة شجعت التلاميذ على الغياب ، بدعوى عدم التكدس ، والخوف من العدوى عندما أعلنت أنه يمكن للطلاب الاعتماد بصورة كاملة في تعلمهم وتلقي دروسهم على الوسائل التكنولوجية بالاعتماد على بوابة المعرفة الخاصة بالوزارة على الشبكة الدولية للمعلومات ( النت ) حيث تطرح الوزارة شرحا لجميع المناهج التعليمية وحيث الدروس الافتراضية الحية للطلاب ، أو بالاعتماد على شرح جميع الدروس على القنوات التلفزيونية الخاصة بالتعليم أو حتى القنوات التلفزيونية العادية .والواقع أن الحالة التي عليها التعليم بالصورة التي اعتمدتها الوزارة ، وبالشكل الإعلامي والصحفي الدائر الآن ، وبأسلوب الوزارة للتربية عليه كثير من الملاحظات منها :
أولا : إذا كانت العملية التعليمية في مصر تعاني من قصور قبل مجئ أنفلونزا الخنازير ،وتحتاج إلى إعادة النظر في وزارة التربية والتعليم بكاملها ، وفي نظم الإدارة المدرسية ، وفي المناهج الدراسية ، وفي مرتبات المعلمين ، وفي ملاحقة التطور التكنولوجي العالمي .........الخ ، فإنه بهذا الأسلوب الذي شغل المسئولين عن التعليم بفيرس أنفلونزا الخنازير ، قد أسقط تحت الأقدام أي إستراتيجية أو أي أمل في تطوير التعليم في بلادنا بسبب سياسة الوزارة غير القادرة على التخطيط لشئ أو فعل شئ لا قبل الأنفلونزا ولا بعدها.
ثانيا : كان الأمل في وضع سياسات تؤدي – ضمن ما تؤدي – إلى رضا المدرسين عن مرتباتهم ، وبالتالي لإلغاء الدروس الخصوصية ذلك المرض العضال الذي هو أقوى من أي أنفلونزا ، فجاءت هذه الأنفلونزا لتقلب جميع الخطط والسياسات رأسا على عقب ، لأننا لم نحسن التعامل معها مع استمرار العملية التعليمية في نفس الوقت .
ثالثا : إن النتيجة الطبيعية التي ستترتب على سياسة وزارة التعليم في عمل بوابة للمناهج المدرسية ، وبث الدروس على القنوات الفضائية هو أن التلاميذ الذين اعتادوا على التدريس المباشر عن طريق الدروس الخصوصية سوف يندفعون أكثر نحو هذه الدروس ، - ولن يرى بوابة المعرفة ولا القنوات التعليمية إلا النذر اليسير من الطلاب – أي أن الوزارة ساعدت على استشراء الدروس الخصوصية ، ومراكز التقوية أكثر مما كانت ، أي مزيد من تدهور التعليم وتدني مستوى الطلاب ، وهذا معناه فشل المدرسة في أداء دورها لأن الطالب لم يعد في حاجة إليها ، فبقى فقط أن يتم امتحان الطلاب بمراكز التقوية حتى تغلق المدارس المصرية .
رابعا : أن الوزارة تقول أنها وفرت الدروس الافتراضية والعملية للطلاب ، والواقع أن كل ذلك يقع في إطار القول لا العمل ، أي الدروس النظرية لا التجربة العملية ، أي مزيد من الدراسات التلقينية النظرية ، وسوف تؤدي إلى مزيد من افتقاد الطلاب للواقع التطبيقي والحوار حول الناتج العملي والفكري ، وهو السبيل نحو أن يتكشف الطلاب قدراتهم وإبداعهم.
خامسا : أن سياسة وزارة التعليم تكرس الاتجاهات الفردية ، وتعمق الأنانية ، وتمحي الاتجاه الجماعي ، والانتماء القومي ، لأنها تؤدي إلى اختلاف اتجاهات الطلاب ما بين مدارس حكومية وأخرى خاصة وثالثة أجنبية ، وما بين طلاب تحضر بالمدارس وأخرى تتغيب ، وما بين طلاب تعتمد على المدرسة ، وثانية تعتمد على القنوات التعليمية ، وثالثة تعتمد على الدروس الخصوصية ورابعة تعتمد على مراكز التقوية ( وكله على قد فلوسه وكله يغني على ليلاه ) .
سادسا : في هذه الحالة ينتفي الحديث عن وجود تربية سليمة في المدارس ، وذلك لأن التربية لا تتأتى إلا في مدرسة منظمة وفصل دراسي منتظم ومدرس محترم وتتوفر لديه المعرفة المناسبة ، مدرس يقف أما تلاميذه يعلمهم ويحترمهم ويحاورهم ويحبهم فيحبونه ، يسألهم عن ظروفهم وأحوالهم ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم ، ويشجعهم على التحصيل العلمي والمنافسة الشريفة ، ويبث في طلابه حب العلم وحب الوطن ، ويدعوهم للتحاب والتوحد وإنكار الذات والتواضع .......الخ .
سابعا : أن المدرسين لن يخلصوا في تعليم أولادنا ، لأن مرتباتهم غير كافية ، لأنه ليس منطقيا – حسب متابعاتنا في مدارس متعددة – أن تكلف المدرس بأكثر من 35 حصة في الأسبوع ، وربما أكثر من8 حصص في اليوم ، والعمل لفترتين دراسيتين بدون مقابل وبدون وجبة غذاء لمن يظل بالمدرسة لأكثر من 8 ساعات ، لقد قال بعض المدرسين أمامي ( والله محنا مدرسين ولا حاجة ، إحنا موجود مجرد شحم ولحم ) .
ثامنا : لقد انزلق رجال الصحافة في مصر في نقس منزلق رجال التعليم ووزارتهم ، فتحولوا من الحديث عن التعليم إلى الحديث عن أنفلونزا الخنازير ، ونسوا العملية التعليمية بكاملها ، فما عدنا قادرين على تطوير شئ في مجال التعليم ، وليس هكذا تتصرف البلدان ، إن للبلدان خطط لتطوير شئونها بما فيها التعليم ، لا تعوقها معوق ولا تقف في سبيلها سدود .
تلك فقط بعض ملاحظاتنا على شئون التعليم في مدارسنا بمناسبة وباء أنفلونزا الخنازير حتى لا يضيع التعليم وتضيع مصر .........
ا.د زكي البحيري ، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر ، كلية التربية جامعة المنصورة
نظرا للحالة التي عليها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر ، ونظرا للظروف السياسية الحساسة والقلقة دائما لهذا البلد بسبب وضعه الجيوبولوتيكي فإن من الضروري لبلدنا أن تسعى للتقدم ، وتتطلع للرقي خاصة أن العالم يتطور بسرعة كبيرة ، وجارنا ومنافسنا الأول ( إسرائيل ) تتقدم بسرعة صاروخية مخيفة ومقلقة . وبالطبع فإن المدخل الأول لتقدمنا هو تقدم التعليم لدينا ، ولذلك لزم الجهد الكبير لمعالجة مشاكل التعليم لدينا ، ووضع إستراتيجية لدفع العملية التعليمية للأمام بدرجة يمكنها أن تواكب التطور العالمي ، وبشكل يسمح باستخدام خريجي المراحل التعليمية في نواحي العمل والإنتاج ، وفي تطور العلم والبحث العلمي ، وفي منافسة الدول الناهضة والمتقدمة في التطور التكنولوجي الذي ينبني عليه الآن أي تقدم .
وفي العام الحالي جاءتنا أنفلونزا الخنازير اللعينة ، وكان مجيئها إنقاذا للدكتور يسري الجمل وزير التربية والتعليم من حالة الهجوم الواسع على التردي الذي يعاني منه التعليم ما قبل الجامعي في مصر خاصة في مراحل التعليم الثانوي ، الذي امتنع معظم طلابه عن الحضور المدرسي تقريبا ، فما أن جاءت تلك الأنفلونزا حتى رمى الوزير خلف ظهره معظم ما يخص العملية التعليمية الحقيقية ، وتحول الوزير إلى المفكر الأول والطبيب الأوحد لمعالجة فيروس أنفلونزا الخنازير في المدارس ، وأصبح عمل وزارة التعليم وشغلها الشاغل إصدار فتوى لقفل فصل دراسي أو إغلاق مدرسة أو عزل طالب في منزله ، وفي هذه الدوامة سقطت العملية التعليمية ، بل وتغاضت المدارس عن غياب الطلاب ، ومما زاد الطين بله أن الوزارة شجعت التلاميذ على الغياب ، بدعوى عدم التكدس ، والخوف من العدوى عندما أعلنت أنه يمكن للطلاب الاعتماد بصورة كاملة في تعلمهم وتلقي دروسهم على الوسائل التكنولوجية بالاعتماد على بوابة المعرفة الخاصة بالوزارة على الشبكة الدولية للمعلومات ( النت ) حيث تطرح الوزارة شرحا لجميع المناهج التعليمية وحيث الدروس الافتراضية الحية للطلاب ، أو بالاعتماد على شرح جميع الدروس على القنوات التلفزيونية الخاصة بالتعليم أو حتى القنوات التلفزيونية العادية .والواقع أن الحالة التي عليها التعليم بالصورة التي اعتمدتها الوزارة ، وبالشكل الإعلامي والصحفي الدائر الآن ، وبأسلوب الوزارة للتربية عليه كثير من الملاحظات منها :
أولا : إذا كانت العملية التعليمية في مصر تعاني من قصور قبل مجئ أنفلونزا الخنازير ،وتحتاج إلى إعادة النظر في وزارة التربية والتعليم بكاملها ، وفي نظم الإدارة المدرسية ، وفي المناهج الدراسية ، وفي مرتبات المعلمين ، وفي ملاحقة التطور التكنولوجي العالمي .........الخ ، فإنه بهذا الأسلوب الذي شغل المسئولين عن التعليم بفيرس أنفلونزا الخنازير ، قد أسقط تحت الأقدام أي إستراتيجية أو أي أمل في تطوير التعليم في بلادنا بسبب سياسة الوزارة غير القادرة على التخطيط لشئ أو فعل شئ لا قبل الأنفلونزا ولا بعدها.
ثانيا : كان الأمل في وضع سياسات تؤدي – ضمن ما تؤدي – إلى رضا المدرسين عن مرتباتهم ، وبالتالي لإلغاء الدروس الخصوصية ذلك المرض العضال الذي هو أقوى من أي أنفلونزا ، فجاءت هذه الأنفلونزا لتقلب جميع الخطط والسياسات رأسا على عقب ، لأننا لم نحسن التعامل معها مع استمرار العملية التعليمية في نفس الوقت .
ثالثا : إن النتيجة الطبيعية التي ستترتب على سياسة وزارة التعليم في عمل بوابة للمناهج المدرسية ، وبث الدروس على القنوات الفضائية هو أن التلاميذ الذين اعتادوا على التدريس المباشر عن طريق الدروس الخصوصية سوف يندفعون أكثر نحو هذه الدروس ، - ولن يرى بوابة المعرفة ولا القنوات التعليمية إلا النذر اليسير من الطلاب – أي أن الوزارة ساعدت على استشراء الدروس الخصوصية ، ومراكز التقوية أكثر مما كانت ، أي مزيد من تدهور التعليم وتدني مستوى الطلاب ، وهذا معناه فشل المدرسة في أداء دورها لأن الطالب لم يعد في حاجة إليها ، فبقى فقط أن يتم امتحان الطلاب بمراكز التقوية حتى تغلق المدارس المصرية .
رابعا : أن الوزارة تقول أنها وفرت الدروس الافتراضية والعملية للطلاب ، والواقع أن كل ذلك يقع في إطار القول لا العمل ، أي الدروس النظرية لا التجربة العملية ، أي مزيد من الدراسات التلقينية النظرية ، وسوف تؤدي إلى مزيد من افتقاد الطلاب للواقع التطبيقي والحوار حول الناتج العملي والفكري ، وهو السبيل نحو أن يتكشف الطلاب قدراتهم وإبداعهم.
خامسا : أن سياسة وزارة التعليم تكرس الاتجاهات الفردية ، وتعمق الأنانية ، وتمحي الاتجاه الجماعي ، والانتماء القومي ، لأنها تؤدي إلى اختلاف اتجاهات الطلاب ما بين مدارس حكومية وأخرى خاصة وثالثة أجنبية ، وما بين طلاب تحضر بالمدارس وأخرى تتغيب ، وما بين طلاب تعتمد على المدرسة ، وثانية تعتمد على القنوات التعليمية ، وثالثة تعتمد على الدروس الخصوصية ورابعة تعتمد على مراكز التقوية ( وكله على قد فلوسه وكله يغني على ليلاه ) .
سادسا : في هذه الحالة ينتفي الحديث عن وجود تربية سليمة في المدارس ، وذلك لأن التربية لا تتأتى إلا في مدرسة منظمة وفصل دراسي منتظم ومدرس محترم وتتوفر لديه المعرفة المناسبة ، مدرس يقف أما تلاميذه يعلمهم ويحترمهم ويحاورهم ويحبهم فيحبونه ، يسألهم عن ظروفهم وأحوالهم ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم ، ويشجعهم على التحصيل العلمي والمنافسة الشريفة ، ويبث في طلابه حب العلم وحب الوطن ، ويدعوهم للتحاب والتوحد وإنكار الذات والتواضع .......الخ .
سابعا : أن المدرسين لن يخلصوا في تعليم أولادنا ، لأن مرتباتهم غير كافية ، لأنه ليس منطقيا – حسب متابعاتنا في مدارس متعددة – أن تكلف المدرس بأكثر من 35 حصة في الأسبوع ، وربما أكثر من8 حصص في اليوم ، والعمل لفترتين دراسيتين بدون مقابل وبدون وجبة غذاء لمن يظل بالمدرسة لأكثر من 8 ساعات ، لقد قال بعض المدرسين أمامي ( والله محنا مدرسين ولا حاجة ، إحنا موجود مجرد شحم ولحم ) .
ثامنا : لقد انزلق رجال الصحافة في مصر في نقس منزلق رجال التعليم ووزارتهم ، فتحولوا من الحديث عن التعليم إلى الحديث عن أنفلونزا الخنازير ، ونسوا العملية التعليمية بكاملها ، فما عدنا قادرين على تطوير شئ في مجال التعليم ، وليس هكذا تتصرف البلدان ، إن للبلدان خطط لتطوير شئونها بما فيها التعليم ، لا تعوقها معوق ولا تقف في سبيلها سدود .
تلك فقط بعض ملاحظاتنا على شئون التعليم في مدارسنا بمناسبة وباء أنفلونزا الخنازير حتى لا يضيع التعليم وتضيع مصر .........
ا.د زكي البحيري ، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر ، كلية التربية جامعة المنصورة
الأربعاء يونيو 22, 2016 6:44 pm من طرف khaled
» القضاء الاداري يصدر حكما بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية
الثلاثاء يونيو 21, 2016 5:25 pm من طرف khaled
» جبتلكو سلسلة رويات رجل المستحيل المعروفة للتحميل المباشر
الإثنين ديسمبر 28, 2015 5:53 pm من طرف abazer
» العلاقات المصرية السودانية في عهد محمد علي وخلفاؤه
الجمعة يناير 17, 2014 10:28 am من طرف khaled
» انجولا وحظر الاسلام (1)
الخميس نوفمبر 28, 2013 12:21 pm من طرف Ibrahimovech
» التفسير الاقتصادي للتاريخ
الأربعاء يونيو 19, 2013 1:34 am من طرف khaled
» كرسي العناد ........ السلطة سابقا
الثلاثاء يناير 29, 2013 5:56 pm من طرف khaled
» جمهورية جزر القُمر الاسلامية الفيدرالية دراسة جغرافية
الأحد يناير 06, 2013 2:21 am من طرف khaled
» بعض الفروق السياسية بين المجلس العسكري الي حكم مصر بعد الثورة وبين الاخوان لما وصلوا للحكم
الأربعاء نوفمبر 28, 2012 6:14 pm من طرف khaled