ولا تتبدَّى حداثة هرتزل في الأفكار وحسب وإنما تتبدَّى كذلك في النبرة الهادئة، وهو يَصدُر عن فكرة الشعب العضوي المنبوذ ويفسره ويطرح حلولاً عملية للموضوع:
1 ـ الشعب العضوي المنبوذ.
يذهب هرتزل إلى أن معاداة اليهود أساسية في الحضارة الغربية لا مجال للتخلص منها، فهي إحدى الحتميات العلمانية التي تعلَّمها هرتزل من داروين وغيره، ولذا فهو يقابل الظاهرة بكثير من الهدوء والتجرد ويفسرها على عدة أسس:
أ) أساس تاريخي اجتماعي.
تَطوَّر اليهود داخل الجيتو وأصبحوا جزءاً من الطبقة الوسطى المسيحية التي لن تتردد في أن تلقي بهم للاشتراكية، فاليهود قوة مالية مستقلة ونفوذ اقتصادي رهيب. ولذا، فإن الشعوب المسيحية تدفع عن نفسها هذه السيطرة "فليس بمقدورهم أن يخضعوا لنا في الجيش والحكومة وفي جميع مجالات التجارة". وتتضح حداثة هرتزل في هدوئه وهو يستنتج مشروعية معاداة اليهود، فهي "شكل من أشكال الدفاع عن النفس" والمعادون لليهود بطردهم إياهم كانوا ببساطة يدافعون عن أنفسهم. السبب الكامن وراء معاداة اليهود، إذن، سبب موضوعي اجتماعي بنيوي هو المنافسة التجارية. ولكن هرتزل يضيف سبباً آخر هو "التعصب الموروث"، وهو سبب ذو بُعد تاريخي. ولعل هرتزل كان يعني بذلك أن المنافسة التجارية في المجتمعات الغربية البورجوازية كان يجب ألا تؤدي بالضرورة إلى معاداة اليهود. ولكن بسبب التعصب الموروث، أو بسبب أنماط الإدراك التقليدية الموروثة عن العصور الوسطى، أدَّى نجاح اليهودي في المجتمع البورجوازي إلى رفضه.
ب) أساس عرْقي.
كان هرتزل يرى أحياناً أن اليهود عرْق مستقل، ولذا فقد تحدَّث عن أنوفهم المعقوفة المشوهة وعيونهم الماكرة المراوغة. وكثيراً ما تحدَّث عنهم من خلال الأنماط العرْقية التقليدية الشائعة في أدبيات اليهود.
وقد قرأ هرتزل كلاسيكية دوهرنج عن معاداة اليهود عام 1882 فتركت فيه أثراً عميقاً. ويبدو أنه اعتقد صحة ما جاء فيها أو تقبَّلها بشيء من التحفظ.
جـ(أساس إثني ثقافي.
كان هرتزل ينظر لليهودي (في عمله المسرحي الجيتو الجديد) من خلال الأنماط الإثنية لأدبيات معاداة اليهود، فاليهودي متسلق اجتماعياً وتاجر في البورصة وشخص يعقد زيجات من أجل المنفعة والمصلحة المالية. واليهود شخصيات كريهة خارجية طفيلية تشكل خطراً على القوميات العضوية في أوربا. وقد كان هرتزل يرى أن اليهود، بماديتهم الموغلة وألمانيتهم الفاسدة (اليديشية)، يقومون بإفساد الروابط العضوية التي تربط أعضاء الفولك الألماني بعضهم ببعض، وتزخر يومياته بالمقارنات التي يعقدها بين الشخصية الألمانية المنفتحة الصحيحة والشخصية اليهودية العليلة.
ويبدو أن ادعاء الأرستقراطية كان من قبيل محاولة اللجوء إلى عالم الأغيار الرحب هرباً مما سماه «المادية اليهودية المفرطة» التي زادت بتَساقُط الدين اليهودي. ومن الطريف أن التواريخ الصهيونية ترى أن واقعة دريفوس هي التي هزت هرتزل وأعادته إلى يهوديته، ولكن المقالات التي كتبها لصحيفته عام 1894 تدل على أنه كان مقتنعاً بأن الضابط اليهودي كان مذنباً، ولعل اقتناعه بوجاهة الاتهامات هو الذي قاده إلى الصهيونية. فالكره العميق لليهود واليهودية هو الأساس العميق الكامن للصهيونية.
وقد أصبحت معاداة اليهود واليهودية الإطار المرجعي الوحيد لفكره وهويته، فمعاداة اليهود هي التي حولت اليهود إلى شعب «شعب واحد» (بالألمانية: أين فولك Ein Volk) "هكذا علمنا أعداؤنا سواء رغبنا في ذلك أم لم نرغب، ولذا فإن مصيبتنا تَربطنا، تُوحِّدنا". إن عداء اليهود هو الرابط الحلولي العضوي وليس الإله أو العقيدة كما هو الحال في الحلولية التقليدية. ولذا، فإن ثمة علاقة عضوية بين هويته اليهودية وبين واقع معاداة اليهود: الأولى تنمو بنمو الثانية. ويجب أن نلاحظ أن هذا الشعب قد نُزعت القداسة عنه تماماً، فهو شعب مثل كل الشعوب، وهو مادة بشرية استيطانية.
والواقع أن صيغة الشعب العضوي صيغة خروجية تصفوية، إن صح التعبير، فهي تعني حتمية خروج الجسم الغريب (اليهود) من الكيان العضوي الأكبر (الحضارة الغربية) واختفائه تماماً، فالخروج هو "الحل النهائي". وقد بيَّن هرتزل أن ثمة علاقة بين خروج موسى والمشروع الصهيوني، ولكن الخروج على الطريقة الموسوية حل قديم بال. ويُعلمن هرتزل الخروج ويشير إلى طرق غير موسوية لإنجازه. ومع هذا، فهي تؤدي جميعاً إلى الهدف المنشود النهائي: يمكن أولاً أن يتم الخروج عن طريق الزواج المُختلَط، ولكن هذا يتطلب ارتفاع المستوى الاقتصادي. ومن الواضح أن ازدياد قوة اليهود المالية وتزاوجهم مع المسيحيين سيزيد تحكُّم اليهود في الاقتصاد، الأمر الذي سيزيد المسألة اليهودية حدة. وقد اقترح هرتزل كذلك عام 1893 تعميد اليهود وتنصيرهم حلاًّ نهائياً للمشكلة. ولعل انضمام اليهود للحركات الاشتراكية كان يشكل أيضاً أحد الحلول من وجهة نظر البعض. ويشير هرتزل في دولة اليهود إلى إحدى المحاولات في عصره، وهي محاولة تحويل اليهود إلى قطاع اقتصادي منتج عن طريق توجيههم من التجارة الهامشية والربا إلى الأعمال الزراعية بحيث يصبح اليهود فلاحين. ويعترض هرتزل على هذا الاتجاه، فالطبقة الصاعدة هي العمال، كما أن اشتغال اليهود بالزراعة لن يزيل المشكلة فمراكز اشتغال اليهود بالزراعة في روسيا هي مراكز حركة معاداة اليهود.
وبإمكان اليهود الاختفاء أيضاً عن طريق الخروج الفردي أو الهجرة الفردية. ولعل هرتزل كان يشير هنا إلى ملايين اليهود التي هاجرت إلى الولايات المتحدة، ولكن اعتراضه على الهجرة الفردية يدخل ضمن اعتراضه على الصهيونية التسللية وصهيونية الأثرياء التوطينية، وهي في الواقع جهود فردية، ولا يمكن تحقيق الخروج إلا بشكل جماعي. ولنلاحظ أن كل الحلول "حلول نهائية" تنطوي على فكرة اختفاء اليهود، وقد ظل هذا هو جوهر الحل الصهيوني، فهرتزل (الصهيوني اليهودي غير اليهودي) لم يكن له اعتراض على الاندماج والذوبان والانصهار والاختفاء، فهو يقرر في دولة اليهود ، بشيء من الاستحسان، أن اليهود لو تُركوا وشأنهم لاختفوا ولكنهم لا يُترَكون وشأنهم. كما أن كل الحلول النهائية المطروحة حلول يراها هرتزل غير رشيدة (وقد تَوصَّل النازيون إلى أن أكثر الحلول رشداً في مجال الخروج أو الترانسفير النهائي هو الإبادة، عن طريق السخرة وأفران الغاز، فهو توظيف للمادة البشرية يؤدي إلى نتائج مذهلة، وهذا ما تَوصَّل إليه صديق هرتزل: ألفريد نوسيج الذي تعاون مع النازيين وقدَّم لهم خطة تؤدي إلى الخروج النهائي من خلال الإبادة).
1 ـ الشعب العضوي المنبوذ.
يذهب هرتزل إلى أن معاداة اليهود أساسية في الحضارة الغربية لا مجال للتخلص منها، فهي إحدى الحتميات العلمانية التي تعلَّمها هرتزل من داروين وغيره، ولذا فهو يقابل الظاهرة بكثير من الهدوء والتجرد ويفسرها على عدة أسس:
أ) أساس تاريخي اجتماعي.
تَطوَّر اليهود داخل الجيتو وأصبحوا جزءاً من الطبقة الوسطى المسيحية التي لن تتردد في أن تلقي بهم للاشتراكية، فاليهود قوة مالية مستقلة ونفوذ اقتصادي رهيب. ولذا، فإن الشعوب المسيحية تدفع عن نفسها هذه السيطرة "فليس بمقدورهم أن يخضعوا لنا في الجيش والحكومة وفي جميع مجالات التجارة". وتتضح حداثة هرتزل في هدوئه وهو يستنتج مشروعية معاداة اليهود، فهي "شكل من أشكال الدفاع عن النفس" والمعادون لليهود بطردهم إياهم كانوا ببساطة يدافعون عن أنفسهم. السبب الكامن وراء معاداة اليهود، إذن، سبب موضوعي اجتماعي بنيوي هو المنافسة التجارية. ولكن هرتزل يضيف سبباً آخر هو "التعصب الموروث"، وهو سبب ذو بُعد تاريخي. ولعل هرتزل كان يعني بذلك أن المنافسة التجارية في المجتمعات الغربية البورجوازية كان يجب ألا تؤدي بالضرورة إلى معاداة اليهود. ولكن بسبب التعصب الموروث، أو بسبب أنماط الإدراك التقليدية الموروثة عن العصور الوسطى، أدَّى نجاح اليهودي في المجتمع البورجوازي إلى رفضه.
ب) أساس عرْقي.
كان هرتزل يرى أحياناً أن اليهود عرْق مستقل، ولذا فقد تحدَّث عن أنوفهم المعقوفة المشوهة وعيونهم الماكرة المراوغة. وكثيراً ما تحدَّث عنهم من خلال الأنماط العرْقية التقليدية الشائعة في أدبيات اليهود.
وقد قرأ هرتزل كلاسيكية دوهرنج عن معاداة اليهود عام 1882 فتركت فيه أثراً عميقاً. ويبدو أنه اعتقد صحة ما جاء فيها أو تقبَّلها بشيء من التحفظ.
جـ(أساس إثني ثقافي.
كان هرتزل ينظر لليهودي (في عمله المسرحي الجيتو الجديد) من خلال الأنماط الإثنية لأدبيات معاداة اليهود، فاليهودي متسلق اجتماعياً وتاجر في البورصة وشخص يعقد زيجات من أجل المنفعة والمصلحة المالية. واليهود شخصيات كريهة خارجية طفيلية تشكل خطراً على القوميات العضوية في أوربا. وقد كان هرتزل يرى أن اليهود، بماديتهم الموغلة وألمانيتهم الفاسدة (اليديشية)، يقومون بإفساد الروابط العضوية التي تربط أعضاء الفولك الألماني بعضهم ببعض، وتزخر يومياته بالمقارنات التي يعقدها بين الشخصية الألمانية المنفتحة الصحيحة والشخصية اليهودية العليلة.
ويبدو أن ادعاء الأرستقراطية كان من قبيل محاولة اللجوء إلى عالم الأغيار الرحب هرباً مما سماه «المادية اليهودية المفرطة» التي زادت بتَساقُط الدين اليهودي. ومن الطريف أن التواريخ الصهيونية ترى أن واقعة دريفوس هي التي هزت هرتزل وأعادته إلى يهوديته، ولكن المقالات التي كتبها لصحيفته عام 1894 تدل على أنه كان مقتنعاً بأن الضابط اليهودي كان مذنباً، ولعل اقتناعه بوجاهة الاتهامات هو الذي قاده إلى الصهيونية. فالكره العميق لليهود واليهودية هو الأساس العميق الكامن للصهيونية.
وقد أصبحت معاداة اليهود واليهودية الإطار المرجعي الوحيد لفكره وهويته، فمعاداة اليهود هي التي حولت اليهود إلى شعب «شعب واحد» (بالألمانية: أين فولك Ein Volk) "هكذا علمنا أعداؤنا سواء رغبنا في ذلك أم لم نرغب، ولذا فإن مصيبتنا تَربطنا، تُوحِّدنا". إن عداء اليهود هو الرابط الحلولي العضوي وليس الإله أو العقيدة كما هو الحال في الحلولية التقليدية. ولذا، فإن ثمة علاقة عضوية بين هويته اليهودية وبين واقع معاداة اليهود: الأولى تنمو بنمو الثانية. ويجب أن نلاحظ أن هذا الشعب قد نُزعت القداسة عنه تماماً، فهو شعب مثل كل الشعوب، وهو مادة بشرية استيطانية.
والواقع أن صيغة الشعب العضوي صيغة خروجية تصفوية، إن صح التعبير، فهي تعني حتمية خروج الجسم الغريب (اليهود) من الكيان العضوي الأكبر (الحضارة الغربية) واختفائه تماماً، فالخروج هو "الحل النهائي". وقد بيَّن هرتزل أن ثمة علاقة بين خروج موسى والمشروع الصهيوني، ولكن الخروج على الطريقة الموسوية حل قديم بال. ويُعلمن هرتزل الخروج ويشير إلى طرق غير موسوية لإنجازه. ومع هذا، فهي تؤدي جميعاً إلى الهدف المنشود النهائي: يمكن أولاً أن يتم الخروج عن طريق الزواج المُختلَط، ولكن هذا يتطلب ارتفاع المستوى الاقتصادي. ومن الواضح أن ازدياد قوة اليهود المالية وتزاوجهم مع المسيحيين سيزيد تحكُّم اليهود في الاقتصاد، الأمر الذي سيزيد المسألة اليهودية حدة. وقد اقترح هرتزل كذلك عام 1893 تعميد اليهود وتنصيرهم حلاًّ نهائياً للمشكلة. ولعل انضمام اليهود للحركات الاشتراكية كان يشكل أيضاً أحد الحلول من وجهة نظر البعض. ويشير هرتزل في دولة اليهود إلى إحدى المحاولات في عصره، وهي محاولة تحويل اليهود إلى قطاع اقتصادي منتج عن طريق توجيههم من التجارة الهامشية والربا إلى الأعمال الزراعية بحيث يصبح اليهود فلاحين. ويعترض هرتزل على هذا الاتجاه، فالطبقة الصاعدة هي العمال، كما أن اشتغال اليهود بالزراعة لن يزيل المشكلة فمراكز اشتغال اليهود بالزراعة في روسيا هي مراكز حركة معاداة اليهود.
وبإمكان اليهود الاختفاء أيضاً عن طريق الخروج الفردي أو الهجرة الفردية. ولعل هرتزل كان يشير هنا إلى ملايين اليهود التي هاجرت إلى الولايات المتحدة، ولكن اعتراضه على الهجرة الفردية يدخل ضمن اعتراضه على الصهيونية التسللية وصهيونية الأثرياء التوطينية، وهي في الواقع جهود فردية، ولا يمكن تحقيق الخروج إلا بشكل جماعي. ولنلاحظ أن كل الحلول "حلول نهائية" تنطوي على فكرة اختفاء اليهود، وقد ظل هذا هو جوهر الحل الصهيوني، فهرتزل (الصهيوني اليهودي غير اليهودي) لم يكن له اعتراض على الاندماج والذوبان والانصهار والاختفاء، فهو يقرر في دولة اليهود ، بشيء من الاستحسان، أن اليهود لو تُركوا وشأنهم لاختفوا ولكنهم لا يُترَكون وشأنهم. كما أن كل الحلول النهائية المطروحة حلول يراها هرتزل غير رشيدة (وقد تَوصَّل النازيون إلى أن أكثر الحلول رشداً في مجال الخروج أو الترانسفير النهائي هو الإبادة، عن طريق السخرة وأفران الغاز، فهو توظيف للمادة البشرية يؤدي إلى نتائج مذهلة، وهذا ما تَوصَّل إليه صديق هرتزل: ألفريد نوسيج الذي تعاون مع النازيين وقدَّم لهم خطة تؤدي إلى الخروج النهائي من خلال الإبادة).
الأربعاء يونيو 22, 2016 6:44 pm من طرف khaled
» القضاء الاداري يصدر حكما بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية
الثلاثاء يونيو 21, 2016 5:25 pm من طرف khaled
» جبتلكو سلسلة رويات رجل المستحيل المعروفة للتحميل المباشر
الإثنين ديسمبر 28, 2015 5:53 pm من طرف abazer
» العلاقات المصرية السودانية في عهد محمد علي وخلفاؤه
الجمعة يناير 17, 2014 10:28 am من طرف khaled
» انجولا وحظر الاسلام (1)
الخميس نوفمبر 28, 2013 12:21 pm من طرف Ibrahimovech
» التفسير الاقتصادي للتاريخ
الأربعاء يونيو 19, 2013 1:34 am من طرف khaled
» كرسي العناد ........ السلطة سابقا
الثلاثاء يناير 29, 2013 5:56 pm من طرف khaled
» جمهورية جزر القُمر الاسلامية الفيدرالية دراسة جغرافية
الأحد يناير 06, 2013 2:21 am من طرف khaled
» بعض الفروق السياسية بين المجلس العسكري الي حكم مصر بعد الثورة وبين الاخوان لما وصلوا للحكم
الأربعاء نوفمبر 28, 2012 6:14 pm من طرف khaled