غينيا
تقع غينيا في غرب أفريقيا يحدها المحيط الأطلسي غربا والسنغال ومالي وغينيا بيساو من الشمال والشرق، وكانت تشكل جزءاً من مملكة غانا حتى القرن الثاني عشر ثم خضعت لمالي ثم نزل بها البرتغاليون.
أولا: غينيا في ظل التنافس الاستعماري
لقد كان من الواضح أن الاستعمار البرتغالي في غينيا ابتع وسائل عنيفة في تطبيق سياسته، واعتبرت هذه المستعمرة مقاطعة تتبع الدولة مباشرة، وهذا القانون يفرق في المعاملة بين البرتغاليين وبين المحكومين من العناصر الملونة حتى يعيش هؤلاء في المستوي معيشي منخفض، والدليل علي ذلك أن نسبة من كان لا يعرف القراءة والكتابة من أهل البلاد يمثل أكبر نسبة في أفريقيا.
وعلي الرغم من ثورة الأهالي علي السلطات البرتغالية أكثر من مرة إلا أن السلطات البرتغالية وقفت أمام هذه الثورات، غير أنه علي الرغم من ذلك فإن السلطة البرتغالية في المستعمرة لم تمتد كثيرا خارج المراكز التجارية. وقد تنافست الدول الأوربية من أجل السيطرة علي تجارة هذه المنطقة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر واستمر هذا التنافس خلال القرن التاسع عشر حينما أدعت بريطانيا أحقيتها في هذه المستعمرة، وقد هذا إلي ظهور أطماع أوربية في غينيا فنلاحظ ان فرنسا هي الأخرى عملت علي القيام بحركة اكتشافات واسعة لتنال نصيبها من الوليمة الاستعمارية.
ثانيا: السياسة الفرنسية في غينيا
ووصل الفرنسيون إلي سواحل غينيا في القرن التاسع عشر، وأعلنت حمايتها علي غينيا 1849 ثم قررت التوغل في إلي الداخل وأصبح الجزء الجنوبي من غينيا مستعمرة فرنسية، وأطلق اسم غينيا علي المستعمرة في أواخر القرن التاسع عشر، وأنصب اهتمام فرنسا في بادية الأمر علي المنطقة الساحلية التي عُرفت باسم أنهار الجنوب، ولكن سرعان ما دعمت فرنسا سيطرتها علي المنطقة وأدمجت المناطق الداخلية والساحلية. ولما كان المسلمون قد كونوا في هذه المناطق حكومات إسلامية لذلك اتبع انشار النفوذ الفرنسي في هذه المنطقة ضرورة الاصطدام مع القوى الوطنية الإسلامية، لذلك تأخر تحديد هذه المستعمرة الفرنسية إلي عام 1890 فلقد حكمت فرنسا غينيا حكما مباشرا شأنها في ذلك شأن جميع بلدان أفريقيا الاستوائية، وحاولت فرض تقاليدها وثقافتها.
ومن أبشع السياسات الاقتصادية التي طبقتها فرنسا في غينيا هو نظام العمل الإجباري أو عمالة السخرة، فلقد طور المستعمر هذا النظام وجند الآلاف من عمال النقل لنقل المواد الخام داخل القارة إلي موانئ التصدير، ثم بدأت تستغل مناجمها لكي نحصل علي كافة المعادن والثروات الموجودة بها. كما أن النظم التي كانت تحكم العدالة في غينيا كانت بعيدة كل البعد عن العدل والإنصاف، كما أنها كانت بعيدة عن الطرق التي كانت تتبعها غينيا قبل قدوم المستعمرين، ولم يستطع الفرنسيون الاستغناء عن الأفارقة بصورة كاملة في القضاء التي أقاموها بل أنهم كانوا يستعينون بالكتبة والمترجمين لتسهيل عملية التقاضي والاتصال فيما بينهم وبين الأفارقة. كذلك نجد أن الفرنسيين كانوا قد جندوا الأفارقة كعمال ومحاربين خلال الحرب العالمية التي شهدت أكثر من نصف مليون أفريقي من بينهم العمال والمحاربين الغينيين.
ثالثا: الحركة الوطنية
كانت المقاومة الغينية عنيفة استغرقت وقتا طويلا في مناهضة الاستعمار الفرنسي، حيث قام الشعب الغيني بمقاومة هذا التوسع الفرنسي منذ أن حاول الفرنسيون التوغل في الداخل, وقد ظهر بصورة واضحة من خلال تلك المقاومة التي قادها الزعيم "الحاج عمر تال" فبحلول عام 1860 مد الحاج عمر تال أحد المرابطين من قبيلة "الفوله" نفوذه إلي هذه البلاد,وأخذ علي عاتقه نشر الطريقة الصوفية التي عُرفت بالتيجانية، لكن الجنرال الفرنسي "فيدررب" عرقل مساعيه غير أن عمر تال ظل يواصل جهاده حتى استشهد في عام 1864 وواصل الجهاد من بعده ابنه الشيخ "أحمدو شيخو" وعلي الرغم من المقاومة الشديدة التي ظهرت خلال الكفاح ضد الفرنسيين من قبل الشيخ وأعوانه إلا أنه هُزم.
إلا أن المقاومة ظلت في غينيا حتى تجسدت في زعيم آخر هو "ساموري توري" فقد أعلن ساموري الجهاد علي الفرنسيين، وقد أختار إستراتيجية المجابهة لا التحالف واستخدم الدبلوماسية والحرب معا وقد اتسم جيشه آنذاك بطابع شبه وطني وكان ذلك ظاهراً من طبيعة جيشه وتدريبه، وفي ذات الوقت وجد ساموري نفسه محاصرا بين الإنجليز والفرنسيين، وفشلت محاولاته لبذر الشقاق بينهم بإعادة أراضي "بونا" التي كان البريطانيون يطمعون فيها من الفرنسيين، ولكنه وقع في الأسر ثم نفي إلي الجابون حيث توفي عام 1900.
واستطاع الاستعمار الفرنسي ترسيخ أقدامه ستين عاما واجه خلالها بمعارضة وطنية عنيفة من قبل شعب غينيا ونتيجة لذلك عجز النظام الاستعماري عن السيطرة علي فكر العشب الغيني الذي رفع دائما إرادته الصلبة في الحرية والاستقلال. وإزاء هذا الشعور بتلك السياسة الحرمانية من قبل المستعمر فقد نمت فكرة التحرر الوطني بينهم يتزعمها المثقفون وقد بدأت تظهر بعد الحرب العالمية الثانية، لذلك فإن بعد الحرب العالمية الثانية شدد الاستعمار قبضته عن طريق الأنظمة الإدارية والعسكرية والاقتصادية مما أدي ذلك إلي اشتعال حركة المقاومة الغينية.
أحمد سيكوتوري:
هو الزعيم الغيني الذي ولد في بلدة فارانا عام 1922 من أسرة فقيرة، وقد تربي سيكوتوري تربية إسلامية داخل بيته وفي الكُتاب تلقي تعليمه الابتدائي، ولم يلبث أن التحق بأحدي مدارس التعليم الفني غير أنه لم يمكث طويلا إذ طرد منها بعد عام واحد فقط لأنه قاد إضرابا عن الطعام في المدرسة احتجاجا علي السياسات الاستعمارية. وقد أنهي سيكوتوري تعليمه الرسمي في الثالثة عشرة، ولم يكتف بذلك بل واصل تثقيف نفسه عن طريق المراسلة حتى تمكن من إتمام التعليم الثانوي.
والواقع أن احمد سيكوتوري يعد من أشد الطبقات شعورا بالحرية وتقديرا لها لما كانت تحس به طبقة البسطاء التي يقع عليها عبء الأكبر من المشاقة دائما من قبل المستعمرين، وحينما بلغ السادس عشر من عمره أخذ يخطو أولي خطواته نحو الحرية فمن ذلك الوقت أخذت قدراته علي العمل التنظيمي السياسي ينمو وحينما انتهي سيكوتوري من تجميع قوي الشباب المتعلم حوله بدأ في إدخال في قلوبهم العمل الصحيح للوطنية الأفريقية وأن من حقهم أن يعيشوا في حرية وأن يتمتعوا ببلادهم، ومن هنا ساهم سيكوتوري في تكوين نقابات تدافع عنهم وتطالب بتجديد ساعات عمل تتفق مع إداراتهم، وحقوق تضمن لهم الحياة الكريمة.
وقد أهتم سيكوتوري بالنقابات العمالية أكثر من اهتمامه بوظيفته ففي عام 1945 انتخب سكرتيرا عاما لاتحاد عمال البريد والتليفون، وقد أكد في هذه الفترة علي أهمية العمل النقابي. وقد كان حضور سيكوتوري لمؤتمر الاتحاد العالمي للنقابات بباريس سببا من أسباب اتصال فكره السياسي بالفكر الاشتراكي، علي أن سيكوتوري لم يقصر دوره بالنشاط الوطني والاجتماعي علي غينيا وحدها بل ارتبط بكل قضايا الشعوب الأفريقية.
كما كان سيكوتوري دائما يؤكد علي ضرورة الاهتمام بتعبئة جميع قوى الشعب العاملة في الزراعة والصناعة، كما أنه يري أن تنظيم الشعب في نقابات عمالية لها فاعليتها وتدرك بوعي سياسي كبير قضيتها التي تدافع عنها.
الحزب الديمقراطي الغيني ودوره في استقلال غينيا:
أدرك أحمد سيكوتوري وهو رئيس وزراء غينيا أن الديمقراطية الصحيحة لا يمكن أن تقوم إلا إذا اشترك الحزب في الإدارة علي مستوياتها لذا فقد رأي ضرورة إلغاء الزعامات القبلية، وعلي الحزب هو تعبئة الرأي العام وحمله علي تأييد سياساته ومن هنا يتضح أنه كان لا يهتم بالحزب كجهاز وإنما كوسيلة لتحقيق غاية.
والجدير بالذكر أن الحزب الغيني قاد حرب ضد الاستعمار منذ نشأته وقاد سيكوتوري هذه الحزب الذي تأسس عام 1947، ومن المهم أن نؤكد أن الحزب كان قد فتح أبوابه أمام جميع القوميات في البلاد, وقد أدت هذه السياسة التي اتبعها سيكوتوري إلي إصابة السلطات الاستعمارية بذعر فظيع, لذا واجه الحزب وأعضاؤه منذ بدايته اضطهادا من قبل السلطات الاستعمارية.
وعلي ما يبدو فقد نجح الاستعمار الفرنسي في سياسته التي كانت تعمل علي تفتيت الحزب والقضاء عليه في مهده، والدليل علي ذلك أنه خلال الفترة ما بين 1947-1950 لم يكن التنظيم في الحزب قد اكتمل بعد فأصبح بذلك عرضة لسهام النظام الاستعماري، وبدلا من تزايد نمو الحزب الديمقراطي الغيني أخذ في التفكك، إذ أن معظم القيادات الحزبية كانت قد اقتصرت علي الموظفين الخاضعين لأهواء المستعمرين، فأنتهي الأمر ببعضهم إلي تقديم استقالاتهم من الحزب، كما عملوا علي محاربته.
كما اتبعت السلطات سياسة حظر الاجتماعات بينما كان أصحاب وسائل النقل يمتنعون عن خدمتهم تحت ضغط السلطات الاستعمارية، لقد كانت التجربة علي حد قول سيكوتوري تجربة قاسية وانتصر القمع علي عدد من الإرادات الرخوة. لكن علي الرغم من هذه السياسة التي اتبعتها السلطات الاستعمارية وتخلي عدد لا بأس به من قيادات الحزب إلا أن نمو الوعي الوطني ورغبة الحزب في الاستمرارية وضرورة تقويته هي التي وحدت جمع الغينيين في الصراع، تلك القوة التي عبأت المسلمين والكاثوليك والطبعيين هدف لتحقيق واحد، وجندت الرجل والمرأة والشباب والشيوخ.
وذاد الحزب من دعايته لأهدافه من أجل الاستقلال، وزاد الحزب من دعمه للطبقة العاملة وأخذ سيكوتوري يدافع عن حقوق هذه الطبقة ويعمل كل ما في وسعه من أجل تهيئة ظروف مناسبة للعمل.والواقع أن مؤسسات الحزب كانت تتفق مع مبادئ النظام الغيني فقد كان الحزب يعبر دوما عن إرادة الشعب.وقد أدي كل هذا إلي قيام نواة من المناضلين للحزب لعمل فروع جديدة للتجمع الديمقراطي الأفريقي في أقاليم أخري وبثوا فيها النشاط .
ونتيجة لهذه الجهود التي بذلها الحزب من أجل الترويج لقضية البلاد, تحول الحزب من تدريجيا من مجرد تنظيم صغير إلي منظمة جماهيرية تتمتع بالمساندة المتزايدة من الشعب ويكمن السبب في ذلك أن الحزب وجه الدعوة لكل أفراد الشعب الغيني. ولم يغفل الحزب إلي أهمية الدور الإعلامي في الترويج لمبادئه وبرنامجه الذي يؤدي في نهاية الأمر إلي استقلال البلاد، ولذا تسلح الحزب بالسلاح الإعلامي عن طريق صحيفة تنطق باسمه وتفضح مفاسد النظام الاستعماري، والقائمين عليه بشكل منتظم.
كما كان أحمد سيكوتوري والحزب وجهان لعملة واحدة حيث أنه أصبح سكرتيرا عاما للحزب، كما أنه استطاع عام 1953 أن ينظم إضرابا شمل جميع البلاد واستمر ثلاثة وسبعين يوما اضطر بعدها الحاكم الفرنسي إلي الاستقالة من منصبه، وحاول عام 1954 سيكوتوري أن يحصل علي المقعد النيابي المخصص لغينيا في البرلمان الفرنسي، إلا أن عمليات التزوير لم تمكنه من ذلك غير أنه بعد ذلك استطاع أن ينجح في الحصول علي المقعد في البرلمان الفرنسي عام 1956.
وبحلول 1958 ظهر ما يسمي بدستور ديجول وناقشت فرنسا نوع العلاقة التي تربطها بمستعمراتها في ضوء المبادئ الدولية، وفي ضوء تصاعد المستمر لحركات المقاومة الوطنية في الدول الخاضعة للاستعمار, فأعلن ديجول عن دستوره الذي تقرر بموجبه أن تكون فرنسا مع البلاد الخاضعة لها والتي تميل إلي الدستور "رابطة للجماعة الفرنسية"وأن يتمتع أعضائها بالاستقلال الداخلي.
وقد خيرت المستعمرات الواقعة تحت النفوذ الفرنسي بين أربعة أمور كانت علي النحو التالي:
1- الاحتفاظ بوضعها كما جاء في الدستور 1956.
2 – الانضمام إلي فرنسا كليةً.
3 – أن تصبح عضوا في الجماعة الفرنسية تحت زعم أن العضوية في هذه الجماعة تؤهلها.
4 – الاستقلال التام وجاء نتيجة تصريح شفهي تورط فيه ديجول.
وفي الوقت الذي أعلن فيه رؤساء الحزب الديمقراطي الأفريقي تأيدهم لدستور ديجول، فقد عارضه سيكوتوري ودعا الشعب إلي رفضه وفي أثناء الاستفتاء الذي أجرته فرنسا فضلت غينيا الحرية مع الفقر علي العبودية مع الغني والثراء، وعلي الرغم من كل التهديدات التي نالتها من ديجول بقطع المعونة المالية عنها إلا أنها لم تخش ذلك وأثرت الحرية علي كل اعتبار.
وفي 12 أكتوبر 1958 أعلنت الجمعية الإقليمية لغينيا عن إرادة الشعب التي ظهرت في الاستفتاء عن استقلال البلاد وتشكلت أول حكومة أفريقية لجمهورية غينيا برئاسة أحمد سيكوتوري.
منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــول
تقع غينيا في غرب أفريقيا يحدها المحيط الأطلسي غربا والسنغال ومالي وغينيا بيساو من الشمال والشرق، وكانت تشكل جزءاً من مملكة غانا حتى القرن الثاني عشر ثم خضعت لمالي ثم نزل بها البرتغاليون.
أولا: غينيا في ظل التنافس الاستعماري
لقد كان من الواضح أن الاستعمار البرتغالي في غينيا ابتع وسائل عنيفة في تطبيق سياسته، واعتبرت هذه المستعمرة مقاطعة تتبع الدولة مباشرة، وهذا القانون يفرق في المعاملة بين البرتغاليين وبين المحكومين من العناصر الملونة حتى يعيش هؤلاء في المستوي معيشي منخفض، والدليل علي ذلك أن نسبة من كان لا يعرف القراءة والكتابة من أهل البلاد يمثل أكبر نسبة في أفريقيا.
وعلي الرغم من ثورة الأهالي علي السلطات البرتغالية أكثر من مرة إلا أن السلطات البرتغالية وقفت أمام هذه الثورات، غير أنه علي الرغم من ذلك فإن السلطة البرتغالية في المستعمرة لم تمتد كثيرا خارج المراكز التجارية. وقد تنافست الدول الأوربية من أجل السيطرة علي تجارة هذه المنطقة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر واستمر هذا التنافس خلال القرن التاسع عشر حينما أدعت بريطانيا أحقيتها في هذه المستعمرة، وقد هذا إلي ظهور أطماع أوربية في غينيا فنلاحظ ان فرنسا هي الأخرى عملت علي القيام بحركة اكتشافات واسعة لتنال نصيبها من الوليمة الاستعمارية.
ثانيا: السياسة الفرنسية في غينيا
ووصل الفرنسيون إلي سواحل غينيا في القرن التاسع عشر، وأعلنت حمايتها علي غينيا 1849 ثم قررت التوغل في إلي الداخل وأصبح الجزء الجنوبي من غينيا مستعمرة فرنسية، وأطلق اسم غينيا علي المستعمرة في أواخر القرن التاسع عشر، وأنصب اهتمام فرنسا في بادية الأمر علي المنطقة الساحلية التي عُرفت باسم أنهار الجنوب، ولكن سرعان ما دعمت فرنسا سيطرتها علي المنطقة وأدمجت المناطق الداخلية والساحلية. ولما كان المسلمون قد كونوا في هذه المناطق حكومات إسلامية لذلك اتبع انشار النفوذ الفرنسي في هذه المنطقة ضرورة الاصطدام مع القوى الوطنية الإسلامية، لذلك تأخر تحديد هذه المستعمرة الفرنسية إلي عام 1890 فلقد حكمت فرنسا غينيا حكما مباشرا شأنها في ذلك شأن جميع بلدان أفريقيا الاستوائية، وحاولت فرض تقاليدها وثقافتها.
ومن أبشع السياسات الاقتصادية التي طبقتها فرنسا في غينيا هو نظام العمل الإجباري أو عمالة السخرة، فلقد طور المستعمر هذا النظام وجند الآلاف من عمال النقل لنقل المواد الخام داخل القارة إلي موانئ التصدير، ثم بدأت تستغل مناجمها لكي نحصل علي كافة المعادن والثروات الموجودة بها. كما أن النظم التي كانت تحكم العدالة في غينيا كانت بعيدة كل البعد عن العدل والإنصاف، كما أنها كانت بعيدة عن الطرق التي كانت تتبعها غينيا قبل قدوم المستعمرين، ولم يستطع الفرنسيون الاستغناء عن الأفارقة بصورة كاملة في القضاء التي أقاموها بل أنهم كانوا يستعينون بالكتبة والمترجمين لتسهيل عملية التقاضي والاتصال فيما بينهم وبين الأفارقة. كذلك نجد أن الفرنسيين كانوا قد جندوا الأفارقة كعمال ومحاربين خلال الحرب العالمية التي شهدت أكثر من نصف مليون أفريقي من بينهم العمال والمحاربين الغينيين.
ثالثا: الحركة الوطنية
كانت المقاومة الغينية عنيفة استغرقت وقتا طويلا في مناهضة الاستعمار الفرنسي، حيث قام الشعب الغيني بمقاومة هذا التوسع الفرنسي منذ أن حاول الفرنسيون التوغل في الداخل, وقد ظهر بصورة واضحة من خلال تلك المقاومة التي قادها الزعيم "الحاج عمر تال" فبحلول عام 1860 مد الحاج عمر تال أحد المرابطين من قبيلة "الفوله" نفوذه إلي هذه البلاد,وأخذ علي عاتقه نشر الطريقة الصوفية التي عُرفت بالتيجانية، لكن الجنرال الفرنسي "فيدررب" عرقل مساعيه غير أن عمر تال ظل يواصل جهاده حتى استشهد في عام 1864 وواصل الجهاد من بعده ابنه الشيخ "أحمدو شيخو" وعلي الرغم من المقاومة الشديدة التي ظهرت خلال الكفاح ضد الفرنسيين من قبل الشيخ وأعوانه إلا أنه هُزم.
إلا أن المقاومة ظلت في غينيا حتى تجسدت في زعيم آخر هو "ساموري توري" فقد أعلن ساموري الجهاد علي الفرنسيين، وقد أختار إستراتيجية المجابهة لا التحالف واستخدم الدبلوماسية والحرب معا وقد اتسم جيشه آنذاك بطابع شبه وطني وكان ذلك ظاهراً من طبيعة جيشه وتدريبه، وفي ذات الوقت وجد ساموري نفسه محاصرا بين الإنجليز والفرنسيين، وفشلت محاولاته لبذر الشقاق بينهم بإعادة أراضي "بونا" التي كان البريطانيون يطمعون فيها من الفرنسيين، ولكنه وقع في الأسر ثم نفي إلي الجابون حيث توفي عام 1900.
واستطاع الاستعمار الفرنسي ترسيخ أقدامه ستين عاما واجه خلالها بمعارضة وطنية عنيفة من قبل شعب غينيا ونتيجة لذلك عجز النظام الاستعماري عن السيطرة علي فكر العشب الغيني الذي رفع دائما إرادته الصلبة في الحرية والاستقلال. وإزاء هذا الشعور بتلك السياسة الحرمانية من قبل المستعمر فقد نمت فكرة التحرر الوطني بينهم يتزعمها المثقفون وقد بدأت تظهر بعد الحرب العالمية الثانية، لذلك فإن بعد الحرب العالمية الثانية شدد الاستعمار قبضته عن طريق الأنظمة الإدارية والعسكرية والاقتصادية مما أدي ذلك إلي اشتعال حركة المقاومة الغينية.
أحمد سيكوتوري:
هو الزعيم الغيني الذي ولد في بلدة فارانا عام 1922 من أسرة فقيرة، وقد تربي سيكوتوري تربية إسلامية داخل بيته وفي الكُتاب تلقي تعليمه الابتدائي، ولم يلبث أن التحق بأحدي مدارس التعليم الفني غير أنه لم يمكث طويلا إذ طرد منها بعد عام واحد فقط لأنه قاد إضرابا عن الطعام في المدرسة احتجاجا علي السياسات الاستعمارية. وقد أنهي سيكوتوري تعليمه الرسمي في الثالثة عشرة، ولم يكتف بذلك بل واصل تثقيف نفسه عن طريق المراسلة حتى تمكن من إتمام التعليم الثانوي.
والواقع أن احمد سيكوتوري يعد من أشد الطبقات شعورا بالحرية وتقديرا لها لما كانت تحس به طبقة البسطاء التي يقع عليها عبء الأكبر من المشاقة دائما من قبل المستعمرين، وحينما بلغ السادس عشر من عمره أخذ يخطو أولي خطواته نحو الحرية فمن ذلك الوقت أخذت قدراته علي العمل التنظيمي السياسي ينمو وحينما انتهي سيكوتوري من تجميع قوي الشباب المتعلم حوله بدأ في إدخال في قلوبهم العمل الصحيح للوطنية الأفريقية وأن من حقهم أن يعيشوا في حرية وأن يتمتعوا ببلادهم، ومن هنا ساهم سيكوتوري في تكوين نقابات تدافع عنهم وتطالب بتجديد ساعات عمل تتفق مع إداراتهم، وحقوق تضمن لهم الحياة الكريمة.
وقد أهتم سيكوتوري بالنقابات العمالية أكثر من اهتمامه بوظيفته ففي عام 1945 انتخب سكرتيرا عاما لاتحاد عمال البريد والتليفون، وقد أكد في هذه الفترة علي أهمية العمل النقابي. وقد كان حضور سيكوتوري لمؤتمر الاتحاد العالمي للنقابات بباريس سببا من أسباب اتصال فكره السياسي بالفكر الاشتراكي، علي أن سيكوتوري لم يقصر دوره بالنشاط الوطني والاجتماعي علي غينيا وحدها بل ارتبط بكل قضايا الشعوب الأفريقية.
كما كان سيكوتوري دائما يؤكد علي ضرورة الاهتمام بتعبئة جميع قوى الشعب العاملة في الزراعة والصناعة، كما أنه يري أن تنظيم الشعب في نقابات عمالية لها فاعليتها وتدرك بوعي سياسي كبير قضيتها التي تدافع عنها.
الحزب الديمقراطي الغيني ودوره في استقلال غينيا:
أدرك أحمد سيكوتوري وهو رئيس وزراء غينيا أن الديمقراطية الصحيحة لا يمكن أن تقوم إلا إذا اشترك الحزب في الإدارة علي مستوياتها لذا فقد رأي ضرورة إلغاء الزعامات القبلية، وعلي الحزب هو تعبئة الرأي العام وحمله علي تأييد سياساته ومن هنا يتضح أنه كان لا يهتم بالحزب كجهاز وإنما كوسيلة لتحقيق غاية.
والجدير بالذكر أن الحزب الغيني قاد حرب ضد الاستعمار منذ نشأته وقاد سيكوتوري هذه الحزب الذي تأسس عام 1947، ومن المهم أن نؤكد أن الحزب كان قد فتح أبوابه أمام جميع القوميات في البلاد, وقد أدت هذه السياسة التي اتبعها سيكوتوري إلي إصابة السلطات الاستعمارية بذعر فظيع, لذا واجه الحزب وأعضاؤه منذ بدايته اضطهادا من قبل السلطات الاستعمارية.
وعلي ما يبدو فقد نجح الاستعمار الفرنسي في سياسته التي كانت تعمل علي تفتيت الحزب والقضاء عليه في مهده، والدليل علي ذلك أنه خلال الفترة ما بين 1947-1950 لم يكن التنظيم في الحزب قد اكتمل بعد فأصبح بذلك عرضة لسهام النظام الاستعماري، وبدلا من تزايد نمو الحزب الديمقراطي الغيني أخذ في التفكك، إذ أن معظم القيادات الحزبية كانت قد اقتصرت علي الموظفين الخاضعين لأهواء المستعمرين، فأنتهي الأمر ببعضهم إلي تقديم استقالاتهم من الحزب، كما عملوا علي محاربته.
كما اتبعت السلطات سياسة حظر الاجتماعات بينما كان أصحاب وسائل النقل يمتنعون عن خدمتهم تحت ضغط السلطات الاستعمارية، لقد كانت التجربة علي حد قول سيكوتوري تجربة قاسية وانتصر القمع علي عدد من الإرادات الرخوة. لكن علي الرغم من هذه السياسة التي اتبعتها السلطات الاستعمارية وتخلي عدد لا بأس به من قيادات الحزب إلا أن نمو الوعي الوطني ورغبة الحزب في الاستمرارية وضرورة تقويته هي التي وحدت جمع الغينيين في الصراع، تلك القوة التي عبأت المسلمين والكاثوليك والطبعيين هدف لتحقيق واحد، وجندت الرجل والمرأة والشباب والشيوخ.
وذاد الحزب من دعايته لأهدافه من أجل الاستقلال، وزاد الحزب من دعمه للطبقة العاملة وأخذ سيكوتوري يدافع عن حقوق هذه الطبقة ويعمل كل ما في وسعه من أجل تهيئة ظروف مناسبة للعمل.والواقع أن مؤسسات الحزب كانت تتفق مع مبادئ النظام الغيني فقد كان الحزب يعبر دوما عن إرادة الشعب.وقد أدي كل هذا إلي قيام نواة من المناضلين للحزب لعمل فروع جديدة للتجمع الديمقراطي الأفريقي في أقاليم أخري وبثوا فيها النشاط .
ونتيجة لهذه الجهود التي بذلها الحزب من أجل الترويج لقضية البلاد, تحول الحزب من تدريجيا من مجرد تنظيم صغير إلي منظمة جماهيرية تتمتع بالمساندة المتزايدة من الشعب ويكمن السبب في ذلك أن الحزب وجه الدعوة لكل أفراد الشعب الغيني. ولم يغفل الحزب إلي أهمية الدور الإعلامي في الترويج لمبادئه وبرنامجه الذي يؤدي في نهاية الأمر إلي استقلال البلاد، ولذا تسلح الحزب بالسلاح الإعلامي عن طريق صحيفة تنطق باسمه وتفضح مفاسد النظام الاستعماري، والقائمين عليه بشكل منتظم.
كما كان أحمد سيكوتوري والحزب وجهان لعملة واحدة حيث أنه أصبح سكرتيرا عاما للحزب، كما أنه استطاع عام 1953 أن ينظم إضرابا شمل جميع البلاد واستمر ثلاثة وسبعين يوما اضطر بعدها الحاكم الفرنسي إلي الاستقالة من منصبه، وحاول عام 1954 سيكوتوري أن يحصل علي المقعد النيابي المخصص لغينيا في البرلمان الفرنسي، إلا أن عمليات التزوير لم تمكنه من ذلك غير أنه بعد ذلك استطاع أن ينجح في الحصول علي المقعد في البرلمان الفرنسي عام 1956.
وبحلول 1958 ظهر ما يسمي بدستور ديجول وناقشت فرنسا نوع العلاقة التي تربطها بمستعمراتها في ضوء المبادئ الدولية، وفي ضوء تصاعد المستمر لحركات المقاومة الوطنية في الدول الخاضعة للاستعمار, فأعلن ديجول عن دستوره الذي تقرر بموجبه أن تكون فرنسا مع البلاد الخاضعة لها والتي تميل إلي الدستور "رابطة للجماعة الفرنسية"وأن يتمتع أعضائها بالاستقلال الداخلي.
وقد خيرت المستعمرات الواقعة تحت النفوذ الفرنسي بين أربعة أمور كانت علي النحو التالي:
1- الاحتفاظ بوضعها كما جاء في الدستور 1956.
2 – الانضمام إلي فرنسا كليةً.
3 – أن تصبح عضوا في الجماعة الفرنسية تحت زعم أن العضوية في هذه الجماعة تؤهلها.
4 – الاستقلال التام وجاء نتيجة تصريح شفهي تورط فيه ديجول.
وفي الوقت الذي أعلن فيه رؤساء الحزب الديمقراطي الأفريقي تأيدهم لدستور ديجول، فقد عارضه سيكوتوري ودعا الشعب إلي رفضه وفي أثناء الاستفتاء الذي أجرته فرنسا فضلت غينيا الحرية مع الفقر علي العبودية مع الغني والثراء، وعلي الرغم من كل التهديدات التي نالتها من ديجول بقطع المعونة المالية عنها إلا أنها لم تخش ذلك وأثرت الحرية علي كل اعتبار.
وفي 12 أكتوبر 1958 أعلنت الجمعية الإقليمية لغينيا عن إرادة الشعب التي ظهرت في الاستفتاء عن استقلال البلاد وتشكلت أول حكومة أفريقية لجمهورية غينيا برئاسة أحمد سيكوتوري.
منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــول
الأربعاء يونيو 22, 2016 6:44 pm من طرف khaled
» القضاء الاداري يصدر حكما بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية
الثلاثاء يونيو 21, 2016 5:25 pm من طرف khaled
» جبتلكو سلسلة رويات رجل المستحيل المعروفة للتحميل المباشر
الإثنين ديسمبر 28, 2015 5:53 pm من طرف abazer
» العلاقات المصرية السودانية في عهد محمد علي وخلفاؤه
الجمعة يناير 17, 2014 10:28 am من طرف khaled
» انجولا وحظر الاسلام (1)
الخميس نوفمبر 28, 2013 12:21 pm من طرف Ibrahimovech
» التفسير الاقتصادي للتاريخ
الأربعاء يونيو 19, 2013 1:34 am من طرف khaled
» كرسي العناد ........ السلطة سابقا
الثلاثاء يناير 29, 2013 5:56 pm من طرف khaled
» جمهورية جزر القُمر الاسلامية الفيدرالية دراسة جغرافية
الأحد يناير 06, 2013 2:21 am من طرف khaled
» بعض الفروق السياسية بين المجلس العسكري الي حكم مصر بعد الثورة وبين الاخوان لما وصلوا للحكم
الأربعاء نوفمبر 28, 2012 6:14 pm من طرف khaled