مشكلة المياة والحروب المقبلة
**************************************
دراسة أميركية تقرع جرس الإنذار من حروب وشيكة بسبب نضوب مصادر المياه في العالم.
يتوقع عديد من الخبراء والمتخصصين أن يكون هذا القرن قرن الحروب على مصادر المياه، فرغم الحقيقة الثابتة بأن المياه تُغطي أكثر من ثلثي مساحة الكرة الأرضية (71%) إلا أن 97.5% منها مياه مالحة لا تصلح للاستخدام. وأغلب إمدادات المياه العذبة إما مخزنة في شكل جليد بالقطبين الشمالي والجنوبي أو في باطن الأرض والتي يصعب الوصول إليها، ونتيجة لذلك فإن جزءا ضئيلا من مصادر مياه كوكب الأرض والذي يُقدر بـ 1% من إجمالي المياه المتوفرة صالح للاستخدام البشري. ومع تزايد عدد السكان عالميا أضحت قضية الأمن المائي من أهم القضايا التي باتت تأتي على أولويات الأجندة الدولية.
العالم على أعتاب شح مائي
وتوقع تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 1999 أن قضية المياه سوف تكون أحد أكبر مصادر الصراع المستقبلي في القارة الإفريقية خلال الـ 25 سنة القادمة.
وخلال العقد الماضي تزايد الطلب العالمي على إمدادات المياه لتزايد عدد السكان عالمياً واستمرار إزالة الغابات والتغير المناخي، والذي من شأنه أن يجعل مصدر المياه من المصادر النادرة والسلع الثمينة التي سيصعب الحصول عليها مع مرور الوقت. ويُقدر البنك الدولي أن هناك 1.1 مليار شخص حالياً لا تتوافر لديهم مصادر المياه بصورة آمنة، والتي تُقدر بما يقل عن 20 لتراً يومياً من المصدر المحسِّن على بعد كيلومتر من المنزل.
وفي إشارة لتناقص مصادر المياه كتب ليستر برون مؤسس ومدير معهد سياسة الأرض، وهو أحد أبرز دعاة حماية البيئة الأميركية ومؤلف "خطة ب 3.0: التعبئة لإنقاذ الحضارة عن بحيرة التشاد. فيشير إلى تقلص المياه بالبحيرة في الوقت الذي تزايد فيه عدد الدول التي تحيط بها (الكاميرون، التشاد، نيجر ونيجيريا) بنسبة 96% خلال 40 عاماً. ويُلاحظ برون أن تناقص المياه ببحيرة التشاد ليس حالة فريدة من نوعها، ويقول: إن العالم يواجه نقصاً كبيراً في المياه.
فعلى سبيل المثال يواجه نهر الأردن تناقصاً تدريجياً في المياه أيضاً، وكذلك الحال بعديد من مصادر المياه الأخرى مثل "النهر الأصفر" في الصين و"الميكونغ" في جنوب شرق آسيا ونهر "أمو داريا" في آسيا الوسطى ونهر "كولورادو" في الولايات المتحدة.
ويشهد نهر الأردن والبحر الميت تناقصاً في كمية المياه. فخلال الـ40 عاماً الماضية انخفض مستوى المياه بما يقرب من 25 متراً، وتشير عديد من التقديرات إلى احتمالية اختفائه بصورة كاملة في غضون عام 2050.
استنزاف المياه الجوفية
وفي الوقت الذي يتزايد فيه الطلب على المياه اتجهت العديد من الدول إلى زيادة استخراج المياه الجوفية، وتشير عديد من التقديرات إلى تناقص المعروض المائي في كثير من تلك الدول والأقاليم مثل بعض أجزاء الصين والهند وغرب آسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق والولايات الغربية الأميركية.
ووفق رأي الدكتور برون عن إحدى الولايات الهندية "تاميل نادو" التي يزيد عدد سكانها على 62 مليون نسمة تنتشر الآبار الجافة في كل مكان لاستنزاف المياه الجوفية. والحال كذلك في إيران التي تضخ بمتوسط خمسة مليارات طناً من المياه سنويّاً من مياهها الجوفية، والذي أوجد ما يمكن أن نطلق عليه "لاجئي المياه" الذين يهاجرون من مناطق الفقر المائي، التي تجف آبارها وتتناقص كمية المياه المستخرجة من الآبار الجوفية إلى مناطق ذات وفرة مائية.
وهذا لا يُثير الاستغراب والدهشة عند قراءة ما ذهب إليه تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة لعام 1999 والذي يتوقع حدوث حروب من أجل المياه ولا سيما بين الدول التي تشترك في الأنهار والبحيرات التي تكون المصدر الرئيس للمياه لتلك الدول. وفي هذا الصدد يتوقع ليستر برون أن تكون هناك حروب بين دول حوض نهر النيل (مصر، السودان وأثيوبيا) بسبب المياه، أكثر من أي منطقة أخرى.
الصراع على المياه في حوض نهر النيل
ويُعد حوض نهر النيل مستودعاً مائياً يُغطي 1.3 مليون ميل مربع وهي مساحة أكبر بقليل من أراضي الهند. ونهر النيل الذي يعد أطول نهر في العالم يمر بـ 10 دول، هي: مصر، السودان، أثيوبيا، أوغندا، تنزانيا، كينيا، الكونغو الديمقراطية، رواندا، بوروندي وأريتريا. وثلاث دول فقط وهي مصر، السودان وأثيوبيا تمثل 85% من الأراضي التي تشكل الحدود المائية للحوض. ويُتوقع أن يزيد الطلب على المياه في تلك المنطقة خلال الـ 40 سنة المقبلة.
ونظراً لزيادة عدد السكان بدول حوض نهر النيل فعلى سبيل المثال يبلغ التعداد السكاني بمصر حاليا 75 مليون نسمة ويتوقع أن يصل إلى 121 مليون نسمة بحلول عام 2050. وسيصل عدد سكان السودان بحلول عام 2050 إلى 73 مليون نسمة، وفي أثيوبيا يتوقع أن يزيد عدد السكان من 83 مليون نسمة حالياً إلى 183 مليون بحلول عام 2050. وتزايد السكان ليس العامل الوحيد لزيادة الطلب على مصادر المياه بالمنطقة.
ويقول ديفيد شين السفير الأسبق في بوركينا فاسو وأثيوبيا وأستاذ الشئون الدولية بجامعة جورج واشنطن إن مشاريع الري تُعد أكبر تهديد لمستقبل الاستخدام الودي لمياه نهر النيل، فتلك المشاريع الكبيرة تستخدم كمية كبيرة من المياه والتي لا تعود مرة أخرى إلى نظام النهر.
وتعد إزالة الغابات وتآكل التربة أحد مصادر التهديد الأخرى.
ووفق "مونغاباي" أحد المواقع الإلكترونية المؤثرة والمهتمة بالمناخ والبيئة، فقدت أثيوبيا 14% من غاباتها مابين عامي 1990 و2005. وهذا مات سيؤثر على تساقط الأمطار، وتفاقم تآكل التربة، وهذا من شأنه أن يزيد الترسيب والحد من بقاء البنية الأساسية لتخزين المياه.
التنافس في مقابل الصراع
وكتب "ليستر برون" في "خطة ب 3.0" أنه في الوقت الذي تقل فيه المياه بالنهر عند وصوله إلى البحر الأبيض المتوسط، فإن تزايد الطلب السوداني والأثيوبي على مياه النهر سوف يقلل من حصة مصر.
ورغم أن الاتفاقيات الدولية قد منحت أثيوبيا حصة ضئيلة من المياه يرى برون أن رغبة أثيوبيا في حياة أفضل، وباعتبار منابع نهر النيل أحد مواردها الطبيعية الضئيلة، ستحتاج أثيوبيا، بلا شك، إلى كمية أكبر من المياه عن تلك المحددة لها.
وأحد أكبر مشكلات حوض نهر النيل هي عدم وجود اتفاقيات للتقسيم العادل والمنصف لحقوق المياه بين دول الحوض، وكان آخر تلك الاتفاقيات تلك الموقعة بين مصر والسودان عام 1959 والتي أسفرت عن السيطرة المصرية الافتراضية على مياه نهر النيل. واستندت الاتفاقية إلى وصول ما يقدر بـ 84 مليار متر مكعب عند أسوان، فخصصت 55.5 مليار متر مكعب أي الثلثين لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان أي الثلث.
ويقول شين "إن اتفاقية 1959 ما زالت سارية، إلا أنها مقبولة فقط من قبل طرفيها (السودان ومصر) وهذه مشكلة كبيرة. فالدول الثمانية الأخرى لا توافق على تلك الاتفاقية. ولكن لسوء الحظ ليس هناك إطار رسمي آخر للتعامل مع هذا الخلاف السياسي. ويضيف أيضاً أن هناك نقاشات دورية ثنائية وكذلك على المستوى الإقليمي لمعالجة القضايا المتعلقة بالمياه، ولكنها حتى الآن لم تحقق انفراجة بشأن إعادة توزيع مياه نهر النيل، وهذا ما قد يتمخض عنه إمكانية أن يكون – أو لا يكون – هناك حروب في تلك المنطقة بسبب المياه في يوم من الأيام".
وترجع إحدى محاولات التعاون بين دول حوض نهر النيل وهي مبادرة حوض نهر النيل إلى عقد مضى، وقد رغب البنك الدولي من اتفاقية حوض نهر النيل تعاون دول الحوض في استخدام مصادر حوض نهر النيل لمحاربة الفقر وتعزيز التنمية الاجتماعية - الاقتصادية بالمنطقة.
ووافقت الدول الأعضاء على تبادل المعلومات مع الدول الأخرى في الحوض من أجل تدشين دراسات من أجل استدامة مشاريع التعاون. وعُدت تلك المبادرة أحد بوادر نجاح تعاون دول حوض نهر النيل، فقد أبدت دول الحوض التزامها بتلك المبادرة. ويرى السفير شين أن مبادرة حوض نهر النيل منظمة للتعامل المبدئي مع القضايا الفنية والعملية وليست مع القضايا السياسية الخلافية. فمن السهل التعاون في الأمور الفنية عن نظيرتها السياسية.
والشيء المتبقي وفق رأي السفير هو مدى استعداد دول الحوض للخوض في القضايا المهمة والأكثر تعقيداً وجدلاً وتلك المتعلقة بحقوق المياه والتوزيع المنصف للمياه.
المياه سلعة اقتصادية قابلة للبيع
وتلقي قضية حوض نهر النيل الضوء على عديد من التحديات التي تواجه المواطنين وصناع القرار في كل أنحاء العالم. فيشير الاتجاه الحالي لتزايد عدد السكان وإزالة الأشجار والزراعة وعدم كفاءة أساليب استخدام المياه المتوفرة إلى أن ندرة مورد المياه سوف تكون أحد مصادر الصراع في المستقبل بين الدول.
فوفق إحصاءات مكتب الإحصاء الأميركي يُتوقع أن يزيد عدد سكان العالم من 6 مليارات عام 1999 إلى 9 مليارات بحلول عام 2024. وفي غضون ذلك أُزيل أكثر من خمس الغابات الاستوائية في العالم في عام 1960 واستمرت إزالتها بمعدل 0.7% سنويّاً. وعلى الصعيد الزراعي ذهب ما يقرب من 70% من مياه الكرة الأرضية الصالحة للشرب إلى مشاريع الري. ويتوقع معهد أبحاث سياسة الغذاء زيادة استخدام المياه في مشاريع الري بنسبة 11% عالمياً ما بين عامي 1995 و2025.
وأخيراً الإسراف في استهلاك المياه لا سيما في الدول المتقدمة يُعد عاملاً آخر في تناقص المعروض المائي. فعلى سبيل المثال قدر تقرير نشره الاتحاد الأوروبي في عام 2007 إمكانية انخفاض استخدام المياه في الاتحاد الأوروبي فقط بما يقدر 40%. ونتيجة لذلك سيُعد مورد المياه أحد أثمن الموارد كل يوم. ولهذا أصبح مورد المياه سلعة اقتصادية تُدر مكاسب وأرباحاً هائلة.
وتشرح الاقتصادية البريطانية روجر بات الباحثة بمعهد أميركان انتربريز هذا، فتقول يُتاجر في المياه بين المزارعين والبلديات والصناعات في عديد من الدول ذات الشح المائي مثل أستراليا، شيلي، الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا.
فمن السهل نقل المياه من مكان إلى آخر أو انتقال حق استغلال المياه إلى آخرين مثل أي عقد بشأن كثير من السلع. وتؤمن الدكتورة بات الخبيرة في سياسة المياه بإمكانية التجارة في المياه بتحسين الفعالية والكفاءة من خلال تخصيص المياه للاستخدام الأفضل وهو الأفضل أيضا للبيئة. وترى أن هناك فائضاً في المياه على مستوى العالم ولكن المشكلة في إهدار استخدامها في كثير من المناطق، وما نحتاجه وفق بات هو المزيد من تخصيص الموارد المائية بصورة أكثر كفاءة وزيادة عدد المتخصصين الذين يُؤمنون بأن السوق يمكن أن يوفر مثل هذا النظام. وأصبحت التجارة في حصص المياه من أكثر المشاريع التجارية تفضيلاً بين المستثمرين الصغار.
ويقول رونالد سافيل "المياه بالفعل مصدر محدود عندما يتعلق الأمر بالاستهلاك، وأهميته للمستقبل واضحة للعيان". ويضيف سافيل أن المياه سوف تصبح النفط القادم وأن شركاتها سوف تحقق مكاسب ضخمة من التجارة فيها كما هو الحال مع شركات النفط، ولهذا قرر سافيل شراء أسهم في صناديق الاستثمار المشترك للمياه. ورغم قدرة السوق على تخصيص الموارد بكفاءة استناداً على قاعدة العرض والطلب إلا أن هذا الأمر يصعب مع مورد المياه الذي يعد مصدراً حيوياً للبشرية.
يصعب مقارنة المياه بالنفط، فالعالم قد يستطيع العيش دون النفط، ولكنه يصعب العيش دون مياه. وفي النهاية نخلص إلى أن المياه سلعة عامة ومن أساسيات الحياة، وأنها في كثير من الأحيان تثير عديداً من القضايا العابرة لحدود الدولة. وتعتبر الجهود السياسية العالمية المشتركة في الإدارة والحفاظ على هذا المورد النادر والذي يتعرض للتناقص بمرور الوقت هي الاستراتيجية الأفضل لمواجهة تلك الندرة والصراعات التي يمكن أن تنشأ في ظل هذه الندرة وتزايد الاستهلاك. (تقرير واشنطن)
*****************************
خلص كدة مش عاوز أتعبكم أكثر من كدة ------------
***************
الأربعاء يونيو 22, 2016 6:44 pm من طرف khaled
» القضاء الاداري يصدر حكما بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية
الثلاثاء يونيو 21, 2016 5:25 pm من طرف khaled
» جبتلكو سلسلة رويات رجل المستحيل المعروفة للتحميل المباشر
الإثنين ديسمبر 28, 2015 5:53 pm من طرف abazer
» العلاقات المصرية السودانية في عهد محمد علي وخلفاؤه
الجمعة يناير 17, 2014 10:28 am من طرف khaled
» انجولا وحظر الاسلام (1)
الخميس نوفمبر 28, 2013 12:21 pm من طرف Ibrahimovech
» التفسير الاقتصادي للتاريخ
الأربعاء يونيو 19, 2013 1:34 am من طرف khaled
» كرسي العناد ........ السلطة سابقا
الثلاثاء يناير 29, 2013 5:56 pm من طرف khaled
» جمهورية جزر القُمر الاسلامية الفيدرالية دراسة جغرافية
الأحد يناير 06, 2013 2:21 am من طرف khaled
» بعض الفروق السياسية بين المجلس العسكري الي حكم مصر بعد الثورة وبين الاخوان لما وصلوا للحكم
الأربعاء نوفمبر 28, 2012 6:14 pm من طرف khaled