مؤازرته للدعوة
قبل البدء في بيان جهود الإمام محمد بن سعود في مؤازرة الدعوة ، ينبغي توضيح الأسباب التي دفعت الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى اختيار الدرعية لتكون المنطلق الجديد للدعوة بعد العيينة ، لا سيما أن الشيخ قد بدأ دعوته كما نعرف في حريملاء ، وعندما وجد أن هذه البلدة ليست المكان المناسب لنشر دعوته انتقل إلى العيينة ، ولم يكن انتقاله إليها إلا بعد دراسة لأوضاعها دراسة أقنعته بأنها أرض صالحة لنشر دعوته ، خصوصا بعد أن أبدى له أميرها عثمان بن معمر استعداده لتبني الدعوة والعمل على نشرها . وقد انتقلت الدعوة في العيينة من مرحلة الدعوة بالقول والجدال بالتي هي أحسن ، إلى مرحلة التطبيق العملي لأحكام الإسلام .
ولكن هذا التطبيق أزعج المعارضين للشيخ ودعوته ، فأرسل حاكم الأحساء سليمان بن محمد بن غدير الحميدي الخالدي إلى أمير العيينة أمرا بطرد الشيخ من بلده ، وإلا قطع عنه خراجه ووظائفه ، ومنع جباته من تحصيل ما له من النخيل في الأحساء ، ومنع تجاره من ارتياد منطقته والمتاجرة معها (1) ، (2) ، فكان طبيعيا بعد نجاح الدعوة في العيينة أن يفكر الشيخ محمد مليا في الأمر قبل أن ينتقل بدعوته إلى بلدة أخرى . فإذا كان اختياره بعد هذا التفكير قد وقع على الدرعية ، فإنما جاء ذلك بعد دراسة للموضوع من مختلف جوانبه . فلم يكن التجاؤه إلى الإمام محمد بن سعود من قبيل الصدفة ، لأن وضع أمانة نشر الدعوة في يديه ليس بالأمر الهين . فما هي الأسباب التي أقنعت الشيخ بالإقدام على هذه الخطوة الجريئة ؟ :
أولا : وجد الشيخ محمد بثاقب نظره أن قوة الدرعية في ازدياد مطرد (3) إذا ما قورنت بقوة الإمارات الأخرى المحيطة بها ، فقد استطاعت الدرعية في غزوة سعدون رئيس الأحساء التي وجهها إليها عام 1132هـ .
ثانيا : كانت الدرعية أقرب البلدان المناسبة للدعوة إلى العيينة .
ثالثا : استقرار الحكم فيها كما سبق أن أوضحنا .
رابعا : ما عرفه الشيخ من حسن سيرة صاحب الدرعية .
خامسا : وجود أنصار لدعوة الشيخ من بين رجالاتها ، مثل إخوة الأمير محمد بن سعود ، وهم الأمير ثنيان ، والأمير مشاري ، والأمير فرحان ، والأمير الصغير عبد العزيز بن محمد بن سعود ، وآل سويلم وغيرهم .
_________
(1) لمع الشهاب : ص 124 ،
(2) لمع الشهاب : ص 124 ،
(3) ابن بشر : المصدر السابق ، ج 1 ، ص 18 .
سادسا : كان الشيخ كبير الثقة في الحصول على المساعدة والحماية من الأمير محمد بن سعود ، لا سيما أن عدوهما واحد ، ألا وهو حاكم الأحساء الذي ضغط على عثمان بن معمر أمير العيينة لطرده .
هذا من ناحية الشيخ .
أما من ناحية محمد بن سعود فكان طبيعيا أن يؤوي إليه صاحب الدعوة تحديا لأمير الأحساء الذي سبق أن هاجم الدرعية من قبل .
سابعا : لقد أدرك الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما كان يتمتع به الأمير محمد بن سعود من صفات " الرجل المحارب الفذ " (1) والدعوة في ذلك الوقت كانت في حاجة شديدة إلى اليد القوية التي تساندها وتؤازرها .
لكل هذه الأسباب وقع اختيار الشيخ على الأمير محمد بن سعود ، ليكون الحامي للدعوة والمدافع عنها ، ولتكون الدرعية مركز الدعوة ، ونقطة انطلاقها إلى مكان في داخل الجزيرة العربية وخارجها .
اللقاء التاريخي بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب
أورد كل من ابن غنام ، وابن بشر ، وصاحب لمع الشهاب تفاصيل هذا اللقاء التاريخي بين الأمير محمد بن سعود ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب بطرق مختلفة ، فاتفقوا في بعض التفاصيل ، واختلفوا في البعض الآخر ، وإن كان مضمون اللقاء فيما أورده الثلاثة واحدا في مجمله . فيذكر ابن غنام - وهو أقرب الثلاثة إلى الشيخ ؛ لأنه أحد تلاميذه ، وممن أخلصوا في نشر دعوته - وإن كانت روايته مقتضبة : أن الشيخ خرج " سنة سبع أو ثمان وخمسين ومائة وألف من العيينة إلى بلدة الدرعية ، فنزل في الليلة الأولى على عبد الله بن سويلم ، ثم انتقل في اليوم التالي إلى دار تلميذه الشيخ أحمد بن سويلم . فلما سمع بذلك الأمير محمد بن سعود ، قام من فوره مسرعا إليه ، ومعه أخواه : ثنيان ومشاري ، فأتاه في بيت أحمد بن سويلم ، فسلم عليه ، وأبدى له غاية الإكرام والتبجيل ، وأخبره أنه يمنعه بما يمنع به نساءه وأولاده " (2) .
فأخبره الشيخ بما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته - رضوان الله عليهم - من بعده ، وبما أمروا به ونهوا عنه ، وكيف أعزهم الله بالجهاد " وتطرق إلى ما عليه نجد وقتذاك من مخالفة لشرع الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن بدع وشرك وظلم وفرقة .
_________
(1) لمع الشهاب : ص 34 .
(2) ابن غنام ، روضة الأفكار .
وقد ترتب على هذا الاتفاق نتائج عظيمة نجملها فيما يلي :
أولا : بعد هذا الاتفاق الذي عرف باسم اتفاق الدرعية عام 1157 هـ . بدأت " النواة الأولى في بناء صرح الدولة السعودية الأولى ، وعلو شأن آل سعود " (1) . وكان ابن بشر على حق حينما بدأ تاريخه لنجد في العصر الحديث بانتقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية . فهذا الحدث جعل نجدا " تكتشف نفسها ، وتعي رسالتها ، وتصنع وحدتها ، وتبني نهضتها " (2) .
ثانيا : بانتقال الشيخ إلى الدرعية لحق به أتباعه ، إما للاضطهاد الذي لحق ببعضهم ، أو لخوفهم من أن يحدث مستقبلا إذا ما زاد خطر الدعوة ، أو للاستفادة من علم الشيخ والتفقه في الدين (3) وقد واجهت الدرعية مشكلة كبيرة من تدفق هؤلاء الوافدين على البلدة الصغيرة المحدودة الموارد ، ولكنها اهتدت لبعض الحلول ، منها : أن هؤلاء المهاجرين كانوا يشتغلون بالليل ويتقاضون أجرا على ذلك ، ويتفرغون بالنهار لتلقي العلم (4) ، كذلك اقتفى الشيخ أثر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - حين قوَّى أواصر الإخوة الإسلامية بين المهاجرين وأهالي الدرعية (5) ، كما لجأت الدرعية إلى الاستفادة من هؤلاء المهاجرين في إنشاء جيش قوي (6) . لا سيما أن هؤلاء كانوا متحمسين للدعوة ، وعلى استعداد لبذل أرواحهم في سبيلها ، ومع ذلك فقد استدان الشيخ مبلغا كبيرا من المال للإنفاق عليهم (7) .
ولم يدم هذا الضيق طويلا ، فما أن بدأت حركة التجديد الديني ، وتوالت الفتوحات حتى تدفقت الخيرات على الدرعية ، وتبدل الحال غير الحال ، بحيث أصبحت الدرعية عند وفاة الإمام محمد بن سعود ( 1179هـ / 1765 م ) من أكبر مدن نجد ، وأغناها ، وأقواها ( .
وقد ازداد ازدهارها ونموها في عهد الإمام سعود ( 1218 - 1229هـ / 1803 - 1814 م ) حين زارها ابن بشر
ـــــــــ
(1) غرايبة : المرجع السابق ، ص 43 .
(2) نفس المصدر .
(3) عبد الحميد البطريق - الوهابية دين ودولة - مجلة كلية البنات عين شمس 1964م .
(4) العجلاني : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 103 .
(5) العثيمين : المرجع السابق ، ص 63 .
(6) ابن بشر : المرجع السابق ، ج 1 ص 13 .
(7) حسين خزعل : المرجع السابق ص164 .
( العثيمين : المرجع السابق ص 65 .
،ووصفها بقوله : " ولقد رأيت الدرعية بعد ذلك في زمن سعود - رحمه الله تعالى - وما فيه أهلها من الأموال وكثرة الرجال والسلاح المحلى بالذهب والفضة الذي لا يوجد مثله ، والخيل والجياد والنجايب العمانيات ، والملابس الفاخرة ، وغير ذلك من الرفاهيات ، ما يعجز عن عده اللسان " (1) .
ثالثا : أصبحت الدرعية حاضرة الدولة الجديدة المركز الرئيسي للدعوة ، ففيها تلقى الدروس ، ويعد الدعاة الذين سيلقى على كاهلهم تعليم الناس العقيدة الإسلامية الصحيحة ، ومنها توفد الرسل إلى مختلف أنحاء الجزيرة ، وتبعث الرسائل إلى الحكام والعلماء التي تشرح وتوضح حقيقة الدعوة وأهدافها . فكانت الدرعية - دون مبالغة - كخلية النحل تموج بالنشاطات العلمية الاجتماعية والسياسية (2) .
رابعا : أشرنا من قبل إلى أن المنازعات والحروب التي كانت تنشأ من حين لآخر بين بلدان نجد قد أوجدت نوعا من التوازن في القوى ، بحيث لم تستطع بلدة بعينها أن تفرض سلطانها على جيرانها . ولكن هذا الاتفاق الذي تم في الدرعية قد أخل بهذا التوازن الثابت لصالح الدعوة (3) . فلم تستطع قوى المعارضة أن تصمد أمام التحالف الجديد ، رغم كثرة الحروب وضراوتها (4) .
خامسا : استغرقت فترة إرسال البعوث العلمية والرسائل عامين من 1157هـ إلى 1159هـ ، وقد وجدت الدولة السعودية من خلال ردود الفعل لتلك الرسائل والبعوث أن الدعوة باللسان والقلم ينبغي أن تدعم بجهد آخر هو : نصرة الدين بالجهاد الشامل وبالشوكة القتالية ، ومن ثم أخذت تعد نفسها للقتال ، وتهيئ الظروف المناسبة لذلك ، عن طريق إعداد قواها الحربية والاقتصادية والسياسية لهذا الأمر الجلل .
_________
(1) ابن بشر : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 13 .
(2) غرايبة : المرجع السابق ، ص 52 .(3) نفس المصدر .
(4) الشبل : الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ص50
قبل البدء في بيان جهود الإمام محمد بن سعود في مؤازرة الدعوة ، ينبغي توضيح الأسباب التي دفعت الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى اختيار الدرعية لتكون المنطلق الجديد للدعوة بعد العيينة ، لا سيما أن الشيخ قد بدأ دعوته كما نعرف في حريملاء ، وعندما وجد أن هذه البلدة ليست المكان المناسب لنشر دعوته انتقل إلى العيينة ، ولم يكن انتقاله إليها إلا بعد دراسة لأوضاعها دراسة أقنعته بأنها أرض صالحة لنشر دعوته ، خصوصا بعد أن أبدى له أميرها عثمان بن معمر استعداده لتبني الدعوة والعمل على نشرها . وقد انتقلت الدعوة في العيينة من مرحلة الدعوة بالقول والجدال بالتي هي أحسن ، إلى مرحلة التطبيق العملي لأحكام الإسلام .
ولكن هذا التطبيق أزعج المعارضين للشيخ ودعوته ، فأرسل حاكم الأحساء سليمان بن محمد بن غدير الحميدي الخالدي إلى أمير العيينة أمرا بطرد الشيخ من بلده ، وإلا قطع عنه خراجه ووظائفه ، ومنع جباته من تحصيل ما له من النخيل في الأحساء ، ومنع تجاره من ارتياد منطقته والمتاجرة معها (1) ، (2) ، فكان طبيعيا بعد نجاح الدعوة في العيينة أن يفكر الشيخ محمد مليا في الأمر قبل أن ينتقل بدعوته إلى بلدة أخرى . فإذا كان اختياره بعد هذا التفكير قد وقع على الدرعية ، فإنما جاء ذلك بعد دراسة للموضوع من مختلف جوانبه . فلم يكن التجاؤه إلى الإمام محمد بن سعود من قبيل الصدفة ، لأن وضع أمانة نشر الدعوة في يديه ليس بالأمر الهين . فما هي الأسباب التي أقنعت الشيخ بالإقدام على هذه الخطوة الجريئة ؟ :
أولا : وجد الشيخ محمد بثاقب نظره أن قوة الدرعية في ازدياد مطرد (3) إذا ما قورنت بقوة الإمارات الأخرى المحيطة بها ، فقد استطاعت الدرعية في غزوة سعدون رئيس الأحساء التي وجهها إليها عام 1132هـ .
ثانيا : كانت الدرعية أقرب البلدان المناسبة للدعوة إلى العيينة .
ثالثا : استقرار الحكم فيها كما سبق أن أوضحنا .
رابعا : ما عرفه الشيخ من حسن سيرة صاحب الدرعية .
خامسا : وجود أنصار لدعوة الشيخ من بين رجالاتها ، مثل إخوة الأمير محمد بن سعود ، وهم الأمير ثنيان ، والأمير مشاري ، والأمير فرحان ، والأمير الصغير عبد العزيز بن محمد بن سعود ، وآل سويلم وغيرهم .
_________
(1) لمع الشهاب : ص 124 ،
(2) لمع الشهاب : ص 124 ،
(3) ابن بشر : المصدر السابق ، ج 1 ، ص 18 .
سادسا : كان الشيخ كبير الثقة في الحصول على المساعدة والحماية من الأمير محمد بن سعود ، لا سيما أن عدوهما واحد ، ألا وهو حاكم الأحساء الذي ضغط على عثمان بن معمر أمير العيينة لطرده .
هذا من ناحية الشيخ .
أما من ناحية محمد بن سعود فكان طبيعيا أن يؤوي إليه صاحب الدعوة تحديا لأمير الأحساء الذي سبق أن هاجم الدرعية من قبل .
سابعا : لقد أدرك الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما كان يتمتع به الأمير محمد بن سعود من صفات " الرجل المحارب الفذ " (1) والدعوة في ذلك الوقت كانت في حاجة شديدة إلى اليد القوية التي تساندها وتؤازرها .
لكل هذه الأسباب وقع اختيار الشيخ على الأمير محمد بن سعود ، ليكون الحامي للدعوة والمدافع عنها ، ولتكون الدرعية مركز الدعوة ، ونقطة انطلاقها إلى مكان في داخل الجزيرة العربية وخارجها .
اللقاء التاريخي بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب
أورد كل من ابن غنام ، وابن بشر ، وصاحب لمع الشهاب تفاصيل هذا اللقاء التاريخي بين الأمير محمد بن سعود ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب بطرق مختلفة ، فاتفقوا في بعض التفاصيل ، واختلفوا في البعض الآخر ، وإن كان مضمون اللقاء فيما أورده الثلاثة واحدا في مجمله . فيذكر ابن غنام - وهو أقرب الثلاثة إلى الشيخ ؛ لأنه أحد تلاميذه ، وممن أخلصوا في نشر دعوته - وإن كانت روايته مقتضبة : أن الشيخ خرج " سنة سبع أو ثمان وخمسين ومائة وألف من العيينة إلى بلدة الدرعية ، فنزل في الليلة الأولى على عبد الله بن سويلم ، ثم انتقل في اليوم التالي إلى دار تلميذه الشيخ أحمد بن سويلم . فلما سمع بذلك الأمير محمد بن سعود ، قام من فوره مسرعا إليه ، ومعه أخواه : ثنيان ومشاري ، فأتاه في بيت أحمد بن سويلم ، فسلم عليه ، وأبدى له غاية الإكرام والتبجيل ، وأخبره أنه يمنعه بما يمنع به نساءه وأولاده " (2) .
فأخبره الشيخ بما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته - رضوان الله عليهم - من بعده ، وبما أمروا به ونهوا عنه ، وكيف أعزهم الله بالجهاد " وتطرق إلى ما عليه نجد وقتذاك من مخالفة لشرع الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن بدع وشرك وظلم وفرقة .
_________
(1) لمع الشهاب : ص 34 .
(2) ابن غنام ، روضة الأفكار .
وقد ترتب على هذا الاتفاق نتائج عظيمة نجملها فيما يلي :
أولا : بعد هذا الاتفاق الذي عرف باسم اتفاق الدرعية عام 1157 هـ . بدأت " النواة الأولى في بناء صرح الدولة السعودية الأولى ، وعلو شأن آل سعود " (1) . وكان ابن بشر على حق حينما بدأ تاريخه لنجد في العصر الحديث بانتقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية . فهذا الحدث جعل نجدا " تكتشف نفسها ، وتعي رسالتها ، وتصنع وحدتها ، وتبني نهضتها " (2) .
ثانيا : بانتقال الشيخ إلى الدرعية لحق به أتباعه ، إما للاضطهاد الذي لحق ببعضهم ، أو لخوفهم من أن يحدث مستقبلا إذا ما زاد خطر الدعوة ، أو للاستفادة من علم الشيخ والتفقه في الدين (3) وقد واجهت الدرعية مشكلة كبيرة من تدفق هؤلاء الوافدين على البلدة الصغيرة المحدودة الموارد ، ولكنها اهتدت لبعض الحلول ، منها : أن هؤلاء المهاجرين كانوا يشتغلون بالليل ويتقاضون أجرا على ذلك ، ويتفرغون بالنهار لتلقي العلم (4) ، كذلك اقتفى الشيخ أثر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - حين قوَّى أواصر الإخوة الإسلامية بين المهاجرين وأهالي الدرعية (5) ، كما لجأت الدرعية إلى الاستفادة من هؤلاء المهاجرين في إنشاء جيش قوي (6) . لا سيما أن هؤلاء كانوا متحمسين للدعوة ، وعلى استعداد لبذل أرواحهم في سبيلها ، ومع ذلك فقد استدان الشيخ مبلغا كبيرا من المال للإنفاق عليهم (7) .
ولم يدم هذا الضيق طويلا ، فما أن بدأت حركة التجديد الديني ، وتوالت الفتوحات حتى تدفقت الخيرات على الدرعية ، وتبدل الحال غير الحال ، بحيث أصبحت الدرعية عند وفاة الإمام محمد بن سعود ( 1179هـ / 1765 م ) من أكبر مدن نجد ، وأغناها ، وأقواها ( .
وقد ازداد ازدهارها ونموها في عهد الإمام سعود ( 1218 - 1229هـ / 1803 - 1814 م ) حين زارها ابن بشر
ـــــــــ
(1) غرايبة : المرجع السابق ، ص 43 .
(2) نفس المصدر .
(3) عبد الحميد البطريق - الوهابية دين ودولة - مجلة كلية البنات عين شمس 1964م .
(4) العجلاني : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 103 .
(5) العثيمين : المرجع السابق ، ص 63 .
(6) ابن بشر : المرجع السابق ، ج 1 ص 13 .
(7) حسين خزعل : المرجع السابق ص164 .
( العثيمين : المرجع السابق ص 65 .
،ووصفها بقوله : " ولقد رأيت الدرعية بعد ذلك في زمن سعود - رحمه الله تعالى - وما فيه أهلها من الأموال وكثرة الرجال والسلاح المحلى بالذهب والفضة الذي لا يوجد مثله ، والخيل والجياد والنجايب العمانيات ، والملابس الفاخرة ، وغير ذلك من الرفاهيات ، ما يعجز عن عده اللسان " (1) .
ثالثا : أصبحت الدرعية حاضرة الدولة الجديدة المركز الرئيسي للدعوة ، ففيها تلقى الدروس ، ويعد الدعاة الذين سيلقى على كاهلهم تعليم الناس العقيدة الإسلامية الصحيحة ، ومنها توفد الرسل إلى مختلف أنحاء الجزيرة ، وتبعث الرسائل إلى الحكام والعلماء التي تشرح وتوضح حقيقة الدعوة وأهدافها . فكانت الدرعية - دون مبالغة - كخلية النحل تموج بالنشاطات العلمية الاجتماعية والسياسية (2) .
رابعا : أشرنا من قبل إلى أن المنازعات والحروب التي كانت تنشأ من حين لآخر بين بلدان نجد قد أوجدت نوعا من التوازن في القوى ، بحيث لم تستطع بلدة بعينها أن تفرض سلطانها على جيرانها . ولكن هذا الاتفاق الذي تم في الدرعية قد أخل بهذا التوازن الثابت لصالح الدعوة (3) . فلم تستطع قوى المعارضة أن تصمد أمام التحالف الجديد ، رغم كثرة الحروب وضراوتها (4) .
خامسا : استغرقت فترة إرسال البعوث العلمية والرسائل عامين من 1157هـ إلى 1159هـ ، وقد وجدت الدولة السعودية من خلال ردود الفعل لتلك الرسائل والبعوث أن الدعوة باللسان والقلم ينبغي أن تدعم بجهد آخر هو : نصرة الدين بالجهاد الشامل وبالشوكة القتالية ، ومن ثم أخذت تعد نفسها للقتال ، وتهيئ الظروف المناسبة لذلك ، عن طريق إعداد قواها الحربية والاقتصادية والسياسية لهذا الأمر الجلل .
_________
(1) ابن بشر : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 13 .
(2) غرايبة : المرجع السابق ، ص 52 .(3) نفس المصدر .
(4) الشبل : الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ص50
الأربعاء يونيو 22, 2016 6:44 pm من طرف khaled
» القضاء الاداري يصدر حكما بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية
الثلاثاء يونيو 21, 2016 5:25 pm من طرف khaled
» جبتلكو سلسلة رويات رجل المستحيل المعروفة للتحميل المباشر
الإثنين ديسمبر 28, 2015 5:53 pm من طرف abazer
» العلاقات المصرية السودانية في عهد محمد علي وخلفاؤه
الجمعة يناير 17, 2014 10:28 am من طرف khaled
» انجولا وحظر الاسلام (1)
الخميس نوفمبر 28, 2013 12:21 pm من طرف Ibrahimovech
» التفسير الاقتصادي للتاريخ
الأربعاء يونيو 19, 2013 1:34 am من طرف khaled
» كرسي العناد ........ السلطة سابقا
الثلاثاء يناير 29, 2013 5:56 pm من طرف khaled
» جمهورية جزر القُمر الاسلامية الفيدرالية دراسة جغرافية
الأحد يناير 06, 2013 2:21 am من طرف khaled
» بعض الفروق السياسية بين المجلس العسكري الي حكم مصر بعد الثورة وبين الاخوان لما وصلوا للحكم
الأربعاء نوفمبر 28, 2012 6:14 pm من طرف khaled