أ.د. عبد الباقي محمد كبير* مؤتمر الإسلام في إفريقيا 2006م مقدمة دخل الإسلام إفريقيا في السنوات الأولى من ظهوره ، فكانت أول بعثة بعثها الرسول صلى الله عليه وسلم خارج الجزيرة العربية ، كانت إلى الحبشة ، وهي إشارة نبوية واضحة على أهمية هذه القارة ومستقبلها الإسلامي ، ومنذ ذالك التاريخ أخذ الإسلام ينساب إلى ربوع إفريقيا عبر طرق مختلفة ووسائل متنوعة ، منها : الفتوح الإسلامية ، والقوافل التجارية، والدعوة الفردية ، والهجرات القبلية .. حتى انتشر في معظم أنحائها ، ولا يزال ينمو وينتشر باطراد رغم تكالب الأعداء . وفي سبيل تحقيق ذلك بذل المسلمون جهوداً عظيمة ، وخاضوا غمار حروب كبيرة حتى يحافظوا على دينهم ويضمنوا له البقاء والاستمرار ، فصنعوا تاريخاً ناصعاً ، وجديراً بالاهتمام والتسجيل بأحرف من نور . ولكن هذا التاريخ التليد قد أهمل من قبل الكتاب والمؤرخين المسلمين ، وترك أمره للمغامرين ، خاصة ذلك الجزء الخاص بانتشار الإسلام في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ، فترك المجال واسعاً للأوربيين لملئ هذا الفراغ في المكتبة العربية والإسلامية فكتب هؤلاء بمناهج مختلفة ، كل بحسب أهدافه وموجهاته ، فكتبت طائفة منهم لخدمة الاستعمار والتخطيط له، وأخرى جاءت كتابتها لخدمة التبشير ونشر المسيحية في القارة الإفريقية ، وهؤلاء جميعاً كتبوا بروح صليبية استعمارية ، متعمدين تشويه التاريخ وطمس حقائقه إرضاءاً لغرورهم ولمؤسساتهم التي ابتعثتهم ، وبجانب هؤلاء كتبت فئة ثالثة بطريقة علمية ، ومناهج موضوعية ، هدفها الوصول إلى الحقيقة وهؤلاء رغم قلتهم الإّ أن كتاباتهم عن انتشار الإسلام في القارة الإفريقية جاءت محايدة إلى حد كبير ، وتميزت بالعمق والتنوع في التناول ، بجانب الدراسات والمقارنات التي يقيمونها بين انتشار الإسلام وغيره من الأديان الأخرى ، ومما يضفي على كتاباتهم رونقاً ومذاقاً خاصاً أنهم كانوا شهود عيان لما يكتبون ، فكانوا من الخبراء والمسئولين ، ومن هنا نتبع أهمية كتبهم رغم الشطحات الواردة فيها والتي لا تقلل بأي حال من أهميتها ، واعتبارها وثائق نادرة لا مناص للباحثين من الرجوع إليها ، وهذه الفئة الأخيرة هي التي حاول البحث أن يتناولها . ونظراً لاتساع الموضوع فقد تناولت الورقة ثلاثة كُتَّاب كنماذج للدراسة والبرهان على صدق هذه الفئة من الأوربيين ، ولعل آراءهم وشهاداتهم تزّود الباحثين والعاملين في حقل الدعوة بالمعلومات والدروس القيمة ، ليزدادوا يقيناً بعظمة الإسلام وسموه وسماحته ، كما يمكنها أن تكون حجة بالغة في الرد على الباحثين الغربيين الذين يطعنون في الإسلام ، بأن هذه الشهادات قد شهد بها أهلهم وبنو جلدتهم على عظمة الإسلام وما قام به من تغيير حضاري كبير في القارة الإفريقية . وهؤلاء الكتاب هم : 1- توماس آرنولد Thomas Arnold في كتابه : الدعوة إلى الإسلام 2- ترمنجهام سبنسر Triminham Spincer في كتابه : الإسلام في شرق إفريقيا Islam in East Africa 3- هوبير ديشامب Hobeer Deshape في كتابه : الديانات في إفريقيا السوداء ، وجاء اختيار هؤلاء الكتّاب الثلاثة ليعطي البحث صورة متكاملة عن انتشار الإسلام في إفريقيا ، فقد اهتم توماس آرنولد بانتشار الإسلام في إفريقيا عامة ، بينما اهتم ترجمنهام بالجزء الشرقي منها ، أما هوبير ديشامب فقد ركّز على الجزء الغربي من إفريقيا باعتباره حاكماً للمستعمرات الفرنسية في غرب إفريقيا . وقد أبرز البحث مناهج هؤلاء الكّتاب ، وأهم الموضوعات التي طرقوها ، وآراءهم الواضحة في نشر الإسلام ، وذلك بالتركيز على النصوص المستنبطة من كتبهم والتعليق عليها ما أمكن . 1) السيد توماس آرنولد : Sir Thomas Arnold( 1864 – 1930م ) : ويعد من خبرة كتاب الغرب المنصفين ، الذين اهتموا بانتشار الإسلام في إفريقيا ، وهو ايرلندي الأصل ، تعلم في جامعة كمبردج ، وعين مدرساً للفلسفة في كلية عليكرة الإسلامية بالهند عام 1888 – 1898م وهناك اتصل بالمسلمين ودرس شريعتهم وعقيدتهم، ثم عُين أستاذاًَ للفلسفة في لاهور 1898 – 1904م ، وهو أول من جلس على منبر الأستاذية في قسم الدراسات الشرقية بلندن عام 1904م ، ثم اختير عميداً لها . ولقد ذاع صيته بكتابيه : "الدعوة إلى الإسلام" والذي نشر في لندن عام 1896 وكتاب : الخلافة Caliphate والذي نشر في اكسفورد عام 1924م ، ولديه كٌتب أخرى عديدة بلغات شتى : فقد كان ملماً باللغة العربية والفارسية . بجانب اللغات الأوربية : كالإنجليزية والفرنسية والألمانية .. وبذلك كان يمتلك مفاتيح العصور الوسطى والحديثة .. والذي يعنينا هنا هو كتابه الضخم : "الدعوة إلى الإسلام" والذي ترجم إلى عدة لغات حية ، منها اللغة العربية ، وقام بترجمته الدكتور حسن إبراهيم حسن وآخرون في عام 1970م ، وقال عنه المستشرق الإنجليزي : ر.أ. نيكلسون R.A.Nicholson ( 1868 – 1945م ) : " إنه كتاب يفوق حد الوصف من كل ناحية .. وهو مؤلف لا يمكن الاستغناء عنه ، ويعد حجة ثابتة .. وهو من أوله إلى أخره برغم طابعه التاريخي ومنهجه العلمي ، إنما هو حجة آرنولد أقامها على الجور والتعصب، وان آراءه في الجملة خلفية بأن تؤثر حتى في هؤلاء الذين يظنون أن هذا الكتاب مصدر خطر عندما يقدرون بواعث الحماسة في نشر الدعوة الإسلامية ونتائجها .. وإن نظرة واحدة في المراجع التي اعتمد عليها المؤلف ، تكفي لتتحقق قيمة الكتاب باعتباره مستودعاً وصورة للحقائق التي تتعلق بموضوعه .. إنه كتاب زاخر بالحياة .. فنجده ينقلنا على التوالي من بلاد المغرب إلى آسيا الغربية وإفريقيا وأسبانيا وفارس والهند والملايو ، فإننا نحس من وراء سطحه الهادئ عمق الحجج المقنعة وقوتها تلك الحجج التي تبعث فيه الحياة . وقد خصص السيد توماس آرنولد للقارة الأفريقية بابين ممتعين في هذا الكتاب : فتكلم في هذا الباب الرابع عن انتشار الإسلام بين مسيحي أفريقيا ، ولا سيما مصر والمغرب والحبشة ، وبحث في الباب الحادي عشر تحول البربر إلى الإسلام وانتشار الإسلام في المغرب ثم تناول قيام الممالك الإسلامية في القارة الأفريقية ، كما تناول في هذا الباب الحديث عن الطرق الصوفية ، وانتشار الإسلام في إفريقيا الغربية والشرقية . ومن خلال هذه الأبواب والمباحث تناول بالنقاش قضايا مهمة حول انتشار الإسلام تتخلص في الأتي : أولاً : الرد على الدعاوى الغربية بأن الإسلام قد انتشر بالسيف والعنف والحرب والإكراه . فقد تصدى السيد توماس آرنولد لهذه الدعاوى التي روج لها ولا يزال مشروع الهيمنة الغربية ، وفنّد هذه الأقاويل داعماً حديثه بالحقائق الموضوعية ، معلناً أنّ انتشار الاسلام بتلك السرعة المدهشة ، انما يعود لسببين : اولهما : الضعف الذاتي والمزمن الذي أصاب النصرانية والإفلاس الذي أصاب كنائسها المتناحرة كأثر من آثار جناية الثقافة الهيلينية الغربية على النصرانية الشرقية، وما أثمرته من الانقسامات الحادة والتناقضات العدائية في صفوف المؤسسات الكنسية إبان مراحل ظهور الإسلام وانتشاره. وثانيهما: سماحة الإسلام، وبساطته ، ومنطقه العقلاني، والقوة الذاتية التي أمتلكها وتميز بها هذا الدين عن غيره من الديانات (4) . بل يذهب آرنولد ومعه كوكبة من العلماء الغربيين الذين ستشهد بدراساتهم إلى أبعد من ذلك ، ويثبت بمفارقة غربية حقيقة انتشار النصرانية التي هي ديانة الصوفية المسالمة – بالسيف والعنف والقهر والإكراه .. بينما تم انتشار الإسلام الذي هو دين ودولة ، وعقيدة وشريعة بالسماحة والدعوة التي تتوجه إلى العقول، وتجتذب القلوب (5) . وقد حاول آرنولد في كتابه إثبات هذه الحقائق التي أثارها، داعماً حديثه بالأدلة والبراهين المقنعة ، فيقول: " إن الأساليب التي كانت الطابع الغالب على حركة نشر الدعوة الإسلامية في إفريقيا، ومع أن الإسلام كثيراً ما شهر السيف كأداة يستعين بها على تقدم فتوحاته الروحية ، نجد مثل هذا الالتجاء إلى القوة وسفك الدماء كان يسبقه في معظم الحالات جهود سلمية في نشر الدعوة، كان الداعية يتعقب الفاتح ليكمل النقص في تحويل الناس إلى الإسلام، والحق إن نجاح الرواد المسلمين الأوائل نجاحاً دنيوياً سهل إلى حد كبير جداً نجاح الإسلام في جهات كثيرة من إفريقيا، كما سهله تأسيس دولة إسلامية على أنقاض دولة وثنية ويؤكد ذلك في صفحات أخري حين يقول: " ومن المهم أن نلاحظ أن الانتصارات الحربية ، وفتح البلاد لم تكن أهم ما ساعد على تقدم الإسلام في مناطق إفريقيا، أما الاهمية الحقيقية لهذه الحركات العسكرية في تاريخ الدعوة الإسلامية في غربي إفريقيا ، فهي ما أثاره هؤلاء المحاربون من حماسة دينية، تجلت في نشاط الدعوة الواسع النطاق بين الشعوب الوثنية، ذلك النشاط الذي كان ذا طابع سلمي خالص. ولم تكن هذه الحروب الدينية، إذا ما نظرنا إليها نظرة صحيحة ، إلا أحداثاً عارضة في النهضة الإسلامية الحديثة، ولم تكن بحال ما صفة تميز القوي والوان النشاط التي كانت تؤثر تأثيراً حقيقياً في نشر الدعوة الإسلامية في إفريقيا. ثانياً: صورة الداعي المسلم:- من القضايا التي ركز عليها توماس آرنولد وكانت سبباً مهماً في نشر الإسلام في إفريقيا حسب اعتقاده الداعي المسلم، تلك الصورة الجميلة، وذلك النشاط الكبير الذي يبذله ، حيث يقول: كان الداعي المسلم يقوم بأعمال تنطوي على الرفق والاناة، في سبيل نشر دعوته، فإذا كان الداعي مصرياً أو مغربياً أو حجازياً ، او عائداً من رحاب الأزهر أو من معاهد الشمال، فإنه يغلب أن يلبس زى البلاد التي جاء منها، فالعمامة الناصعة البياض تعلو رأسه، ويرتدي الجبة والقفطان أو الثوب الفضفاض ، ويمسك بمسبحة طويلة، ثم هو يحدث الناس حوله عما رأي بمصر وغيرها، وما شاهد في جولاته ، وعن مظاهر الحضارة الإسلامية ، وعن المساجد الشاهقة ودور العلم الفسيحة ، وكل هذا يضفي على الرجل هالات من المجد ويجذب إليه مختلف الطبقات من الناس، وفي يد الداعية المسلم عصا سحرية يلوح بها للأفريقيين فيستجيبون له، فيكفي أن يقرر لهم أن دخولهم الإسلام يجعلهم أعضاء في المجتمع الإسلامي الكبير الذي يمتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي، وإلى أسوار الصين وجذر اندونيسيا ، وإن أخوة شاملة تربط الجميع ، وأن أرض الإسلام أرض لكل مسلم، فأينما ينزل يجد الترحاب (6) . ثالثاً: المساواة وعدم التمييز بين البشر:- يري آرنولد أن هذا المبدأ الإسلامي كان من أهمّ أسباب دخول الأفارقة في الإسلام خلال القرون الأخيرة، فيقول: " ومن المهم أن نلاحظ أنّ لون الزنجي وجنسه لم يحملا بأية حال إخوانه الجدد في الدين الإسلامي على أن يتعصبوا عليه ، ولا شك أن نجاح الإسلام قد تقدم في إفريقية الزنجية تقدماً جوهرياً بسبب انعدام كل إحساس باحتقار الأسود، وفي الحق إن الإسلام لم يعامل الأسود قط على أنه من طبقة منحطة ، كما كان الحال – لسوء الحظ – في كثير من الأحيان في العالم المسيحي. ويقارن في هذا الإطار بين الإفريقي المسيحي والمسلم بقوله: إن الأسود المتنصر يميل إلى الإحساس بأن أبناء دينه من الأوروبيين ينتمون إلى لون من الحضارة لا يلائم طبائعه في الحياة، على حين يشعر في المجتمع الإسلامي بأنه أكثر تعلقاً به وأطمئناناً إليه، وقد أجاد أحد المشاهدين المحدثين توضيح ذلك في الرسالة التالية: "أن الإسلام لا يتطلب من أهل نيجريا أن يفقد أحدهم قوميته باعتبار أن ذلك شئ يصحب الدخول في الإسلام ،ولا يستلزم تغييرات انقلابيه في الحياة الاجتماعية يستحيل تحقيقها في المرحلة الحاضرة من تطور أهل نيجيريا ،ولا هو يقوض نفوذ الأسرة وسلطة الجماعة ،وليست هناك هوة بين الداعي إلى الإسلام والمتحول إليه، فكلاهما متساو أحداهما مع الأخر لا نظرياً ، بل عملياً أمام الله وكلاهما إفريقي ، وهما من أبناء أرض واحدة ،وينفذ مبدأ التآخي الإنساني تنفيذاً عملياً ،ولا يعنى الدخول في الإسلام إن ينصرف الداخل فيه عن شئونه وأسرته وحياته الاجتماعية ، ولا عن احترامه لسلطان بلاده الأصليين ..وليست هناك من لا يعجب بسلوك المسلم النيجيري ووقاره بل بسلوك مسلمي افريقية الغربية عامة ،وان هيئة الرجل العامة لتنم عن شعور بالقومية واعتزاز بالجنس ، يخيل إليك انه يقول :أن كلا منا يختلف عن الأخر ،ولكننا جميعا بشر. ويقرر ارنولد بان هذا الشعور الاجتماعي العام كان سبباً في انتشار الإسلام الذي نشهده اليوم في نيجريا ،فهذا التأثير الاجتماعي يمنح هؤلاء الأفارقة الداخلين في الإسلام منزلة أرقى وفكرة أسمى عن مكانة الإنسان من العالم المحيط به ،ويحرره من رقبة الأوهام الخرافية . ولهذا السبب يقول ارنولد نجد الدعاة المسلمين ينفذون إلى قلب افريقية ويصلون في سهولة إلى الوثنيين ويحولونهم إلى الإسلام ،وبذلك أصبح الزنوج اليوم ينظرون إلى الإسلام على انه دين السود، والمسيحية على أنها دين البيض ، ويرون أن المسيحية تدعو الزنجي إلى الخلاص ، ولكنها تضعه في مكان منحط إلى حد انه يقول في نفسه وقد استولى عليه القنوط :ليس لي نصيب ولاحظ في هذا الدين ، أما الإسلام فانه يدعو الإنسان إلى الخلاص، ويقول له :إن بلوغك أسمى الدرجات الممكنة إنما يتوقف عليك،ومن ثم اقبل الزنجي بدافع من الحماسة على هذا الدين بروحة وجسده. رابعا: ترقية الإسلام بالمسلم حضارياً: ذهب ارنولد إلى أن مما يساعدنا على تفسير نجاح الإسلام في إفريقيا ترقية الإسلام بالإنسان الافريقى حضارياً، فيقول أن مجرد الدخول في الإسلام يدل ضمنياً على الترقي في الحضارة ،وانّه خطوة جد متميزة في تقدم القبيلة الزنجية عقلياً ومادياً ،وكانت القوى المحشودة جنباً إلى جنب مع العقيدة الإسلامية تبلغ عن القوة والبأس إلى حد أن البربرية والجهل والخرافة الدينية. تلك الأمور التي كان الدين يجد في القضاء عليها ،لا تجد إلا فرصة يسيرة في إطالة المقاومة ،وأوضح ذلك التغيير الذي أحدثه الإسلام في سلوك الإنسان الافريقى بقوله:"إن الرذائل وهى أكل لحوم البشر ،وتقديم الإنسان قرباناً ، ووأد الأطفال أحياء تلك الرذائل التي كانت منتشرة في كل أفريقيا ..قد اختفت فجأة والى الأبد ، السكان الذين يعيشون حتى ذلك الوقت عراة ، بدأوا يرتدون الملابس ، بل يتأنقون في ملابسهم ، السكان الذين لم يغتسلوا قط من قبل ، بدأوا يغتسلون ، بل يكثرون من الاغتسال ، لأن الشريعة الإسلامية المقدسة تأمر بالطهارة .. وقل السلب المطلق الذي لا يقوم على تفرقة بين من يسلبونهم ، كم أصبح تأمين الناس على أملاكهم وأرواحهم أكثر من ذي قبل .. ويتحدث آرنولد عن النظافة التي طرأت على الأفارقة بفعل الإسلام في دورهم ومساجدهم فيقول : لقد أصبح المسجد الجيد البنا النظيف لما فيه من أذان للصلاة خمس مرات في اليوم وقبلة تتجه إلى مكة ، وإمام وصلاة جمعة، مركزاً للقرية بدلاً من دار عبادة الأوثان أو اليويو Juiu ذات المنظر البشع ، لقد طغت عبادة الله الواحد القهار ، الكائن في كل مكان ، العليم ، الرحيم ، على كل ما لقن اهالى عبادته من قبل طغياناً لا حد له . وعن اللغة العربية وما أحدثته من تطور في حياة الأفارقة وثقافتهم بقوله : " وبلغت اللغة العربية وهي اللغة التي تكتب بها دائماً الكتب الدينية حداً يفوق كل وصف من المعنى والجمال ، وإذا ما تعلموا ، أصبحت لغة التخاطب بين قبائل نصف القارة ، وتستخدم كمقدمة لدراسة الأدب ، بل هي أدب في ذاتها ، وهي إلى ذلك لغة شريعة وقانون مكتوبة ، حلت محل نزوات شيخ القبيلة الاستبدادية ، وهذا تغير في ذاته تقدماً هائلاً في الحضارة . بجانب كل ذلك ظهرت صناعات وتجارة بمفاهيم جديدة ، ليست كالتجارة الصامتة التي تقوم الإشارة فيها مقام اللغة في التفاهم ، ولا كالمبادلة البدائية في الخامات، تلك المبادلة التي نعرف من هيرودوت ( 484 – 425 ق.م ) أنها وجدت في إفريقية منذ أقدم العصور ، ولا كالمقايضة بالودع ، أو البارود أو الطباق والخمر ، تلك المقايضة التي لا تزال تستخدم على طول الساحل وسيلة أساسية في التبادل ، ولكنها صناعات تنطوي على مهارة فائقة، وتجارة منظمة تنظيماً محكماً وظهرت هذه المدن الكبيرة في أرصفة الزنوج بتأثير هذه الصناعة والتجارة ، وتأثير الحكومات الأكثر استقراراً التي جاء بها الإسلام .. فمن المسلم به من كل الوجوه أن الإسلام يمد السود الذين أسلموا حديثاً بالنشاط والعزة والاعتماد على النفس ، واحترام الذات ، وهذه كلها صفات يندر جداً أن نجدها في مواطنيهم الوثنيين أوالمسيحيين (. وتناول آرنولد في كتابه هذا نشاط بعض القبائل الإفريقية في المجال الصناعي والتجاري والدعوى، والذي يصب كله في الدعوة إلى الإسلام، ومن ذلك على سبيل المثال حديثه عن الماندنجو، حيث يقول : " لقد كان الماندنجو في – مالي – وهم من أعظم أجناس إفريقيا رقياً، وأكثر جميع الزنوج مدنية، وأشدهم ذكاءً ، وأجدرهم بالاحترام ، وأمهرهم في الصناعة ، وأشهرهم أمانة ، كانوا أنشط الدعاة إلى الإسلام ، الذي انتشر بواسطتهم بين الجماعات المجاورة لهم. ويقول عن نشاط قبائل الهوسا: " وعلى ساحل غينيا تنتشر المؤثرات الإسلامية بوجه خاص على أيدي تجار الهوسا الذين نجدهم في كل المدن التجارية على هذا الساحل، وكلما أنشأوا محلاً أسرعوا إلى بناء مسجد فيه، وأثروا في السكان الوثنيين بمسلكهم القائم على الورع وثقافتهم المتفوقة، وقد دخلت في الإسلام قبائل بأجمعها من عبدة الأوثان دون أن يبذل المسلمون أية جهود خاصة يستوجبها إغراؤهم، وإنما كان ذلك نتيجة لإقتدائهم بما يرون أنه حضارة أرقي من حضاراتهم (9). وبهذه الروح العالية، والصراحة العلمية المتناهية. كتب توماس آرنولد عن انتشار الإسلام في إفريقيا ، فوثق للإسلام والمسلمين ولتاريخهم في هذه القارة المهمة ، الأمر الذي يجعل من هذا الكتاب وثيقة نادرة لا غني لأي باحث في هذا المجال من الرجوع إليه والاعتماد عليه. 2- ترمنجهام سبنسر j. Triminham Spencer : وهو من الكتاب المحدثين الذين كتبوا باستفاضة عن الإسلام في إفريقيا ، كان أستاذاً بجامعة جلاسقو باسكتلندا ، جاء إلى منطقة شرق إفريقيا كباحث متفرغ عام 1961، ومدعوماً من هيئات علمية مختلفة، منها: جامعة ماكريري بأوغندا، Leverhulme Research Awards, & Church Missionary Society كما عاونه المستوطنون الأوروبيون في تنقلاته وإقامته في المناطق المختلفة، وكان يجمع مادة كتابة من مصادر متنوعة متوخياً الدقة والحياد ، فجاء كتابه قطعة من البحث الأكاديمي، يقدم للدراسين والباحثين مرجعاً مهماً عن انتشار الإسلام في شرق إفريقيا ، والملامح التي اكتسبها بقيامه جنباً إلى جنب مع العقائد الإفريقية (10) ، وسمّاه الإسلام في شرق إفريقيا – Islam in East Africa وتمت ترجمته إلى عدة لغات حية . منها اللغة العربية، ترجمة وعلق عليه محمد عاطف النواوي ، ولترمنجهام كتب أخرى غير هذا تتناول الإسلام في إفريقيا ، وهي: - Islam in the Sudan - The History of Islam in West Africa - The influence of Islam upon Africa (11) وهذا دليل واضح على اهتمام هذا الكاتب وتخصصه في موضوع الإسلام في إفريقيا، ويعد كتابه – الإسلام في شرق إفريقيا – متفرداً في منهجه وأسلوبه الواضح، فقد تناول تاريخ شعوب المنطقة وثقافاتها المختلفة، موضحاً كيف دخل الإسلام والطرق والأساليب التي اتبعها التجار والدعاة المسلمون في نشر الإسلام وسط أهالي هذه البلاد، وأهم ما يميز الكتاب في هذا المجال هو تركيزه على القدرة الذاتية للإسلام في تخطي الحواجز الاجتماعية والثقافية التي تقيمها الديانات الإفريقية التقليدية، ونجده في كثير من الأحيان يقيم مقارنات بين أساليب الدعاة المسلمين ووسائل المبشرين المسيحيين، ويوجه انتقادات حادة لهؤلاء المبشرين الذين جاءوا إلى القارة مدعومين بالإمكانيات المادية الهائلة ، وتحت حماية الاستعمار الأوربي، بينما كان الإسلام ينتشر بواسطة التجار والدعاة البسطاء. وحتى نقف على أهمية ما كتبه ترمنجهام في هذا المجال ، لا بد من الوقوف على بعض القضايا التي أثارها وفاض قلمه بالحديث عنها ، ومنها على سبيل المثال: أولاً: مقارناته الموضوعية بين وسائل انتشار الإسلام والمسيحية: أبدي ترمنجهام انطباعاً أولياً جميلاً عن منطقة شرق إفريقيا في مطلع كتابه حيث قال: " إن أروع ما يقابل الزائر لمنطقة شرق إفريقيا هو وجود ديانتين فوق أرضها إلى جانب عقيدتها النابعة من حضارة الغاب: دين قدم إليها من الشرق، ودين آخر جاءها من الغرب، وكلاهما من خارج القارة الإفريقية ، فالإسلام جاء به العرب والفارسيون سواء منهم التجار الذين كانوا يترددون على الساحل ثم استوطنوه، أو المسلمون الذين لجأوا إلى المنطقة نتيجة للحروب الإسلامية في القرن السابع الميلادي، أما المسيحية، فقد وصلت إلى شرق إفريقيا عن طريق البعثات التبشيرية التي نظمتها الكنيسة في القرن التاسع عشر ... ويواصل حديثه عن انتشار الإسلام في شرق إفريقيا فيقول: " فانتشار الإسلام إذن جاء نتيجة رحلات لم يكن نشر الدعوة هو مقصدها، بل كانت التجارة هدفها وغايتها، ولم يكن له مبشرون يسيرون في البلاد داعمين الناس إليه، ومع ذلك فقد تغلغل بالمخالطة إلى نفوس الأهالي والسكان من الوطنيين، وأصبحنا نري أمثلة من الورع الشديد والتقوى الزائدة التي لا تقوم إلا في نفس شربت الدين في طفولتها عن أبوين هما أيضاً على درجة كبري من التقوى والورع.. وروعة الإسلام تكمن في انه لم يتخذ وسيطاً إلى نفوس الأفارقة ، ولم يجعل لنفسه داعية إلى أفئدتهم، بل خاطبهم بنفسه : ولم يلجأ التغيير العنيف حتى لا ينفر الأهالي منه، فقد كان حكيماً حليماً في أنه تعايش مع العادات والطقوس القديمة، وأبقي على ما لا يضر منها بالجوهر والأساس في الدين ولا يغير من منحاه واتجاهه، وترك من يريد من الأفارقة يحتفظون بما يشاءون من عادات يمارسونها إرضاءً لكيانهم وتركيب مجتمعهم القبلي (12). وبعد هذا الحديث الرائع عن الإسلام وطرق انتشاره وتمكنه في هذا البلاد، تناول تخبط المبشرين بالمسيحية ومحاولاتهم اليائسة في محاربة الإسلام وإخفاء حقيقة انتشاره، وقد أبدي ترمنجهام استغرابه من الرغبة المشتركة بين العاملين في الحقل التبشيري والمستعمرين ويضرب مثلاً على فشلهم ونجاح المسلمين بقوله: " رأيت مركزاً للتبشير تقوم به سيدة منذ ثلاثين عاماً في منطقة جبلية نائية تقيم في منزل أنيق تحيط به حديقة صغيرة ، ولديها طائرة عمودية (هليوكوبتر) وضعت هي وطيارها تحت تصرف المرأة، لكي تنقلها وقتما تشاء إلى وسط الغابة فتخاطب سكانها وتتحادث معهم بلهجاتهم التي أصبحت تتقنها اتقاناً تاماً، وتقدم الهدايا إليهم، وتعيش بينهم أياماً، ثم تصحب المجذومين منهم بطائرتها إلى المركز العلاجي للجذام الذي أقامته وزودته بالأطباء والممرضات .. في تلك المنطقة بالذات رأيت القوة الروحية للإسلام أمام ضخامة القوة المزودة بها البعثات التبشيرية فالقسيس الذي كانت هذه السيدة المبشرة قد أعدته من أهالي المنطقة، ووضعت الإنجيل المكتوب باللهجة المحلية بين يديه، لكي يسير داعياً وسط أهله وعشيرته ويعاونها في جذب المزيد من السكان إلى حظيرة الكنيسة ، هذا القسيس نفسه تحول إلى الإسلام، عندما التقي بواعظ من أهل بلده وعاشره دون أن يقدم إليه هذا الواعظ شيئاً في مقابل ذلك، ودون أن تكون لديه وسائل الانتقال إلى الغابة بالطائرات العمودية ، أو علاج المجذومين أو تقديم الكساء لمن يريد، وكل الذي استطاعه هو أن عينّه بعد إسلامه مؤذناً بمسجد القرية الذي يؤم الصلاة فيه (13). بهذا الأسلوب الواضح والناقد كان يشيد ترمنجهام بالإسلام وطرق انتشاره في شرق إفريقيا مما جعل الكنيسة تنزعج من كتاباته، فارتبكت أعمالها، فأخذت تبعث الوفود والبعثات للرد على ترمنجهام ومحو آثار كتابته عن هذه البلاد. ثانياً: تصديه لدعاوى الغربيين بأن العرب كانوا تجار رقيق: قاد الكتّاب الغربيون بمعاونة المستعمرين والمبشرين دعوى منظمة ضد العرب والتجار المسلمين العاملين في حقل الدعوة الإسلامية في منطقة شرق إفريقيا، بأن نسبوا إليهم وحدهم تهمة تجارة الرقيق في إفريقيا، وأثارت السلطات الاستعمارية هذه المقولة ونشرتها لأجل ترسيخها في أذهان الأفريقيين، وأن العرب لم يتجسموا الصعاب والحضور إلى الساحل إلا لأجل الحصول على العبيد، واقتناصهم ثم حملهم إلى أماكن بيعهم، وكان الهدف من ذلك هو إثارة الفتنة بين العرب والأفارقة وبالتالي عرقلة انتشار الإسلام في هذه البلاد. وذكر الكاتب الألماني كلارموث Klarmoth في كتابه : ( الإسلام في إفريقيا الألمانية) dar Islam in Deutsh Apriba وان هذه الدعوة قد نجحت وأثمرت في تنصير الأهالي وابتعادهم عن المسلمين ، وتنمية الشعور بالكراهية نحوهم (14). ولكن ترمنجهام نفي هذا التاثير، كما نفي اصل القضية، وهي إلصاق التهمة بالعرب والمسلمين بانهم تجار رقيق ، حيث قال: " إن تلك الدعوي لم تضعف الإسلام أو تؤثر فيه، ولم تدفعه إلى النكوص، أو إلى اتخاذ دعاة له يدافعون عنه، بل صمت الإسلام وانتظر حتى جاءت الفرصة ، ودخل المسلمون إلى نفس المنطقة الممتنعة، وخالطهم الأهالي وعاشروهم، فإذا بهم – أي الأهالي- يتبينون بأنفسهم، ودون وسيط ، خطأ ما رسخ في أذهانهم عن المسلمين، فاتجهوا إليهم وزاملوهم وأعتنقوا الدين الجديد إعجاباً منهم بجلاله وروعته.. ثم يرد ترمنجهام على تلك الدعوى بقوله: " إن جلال الإسلام وروعته هما اللذان دفعا بالأهالي إلى أن يصبحوا هم انفسهم دعاة له بعد أن كانوا من خصومه الكارهين .. ولم يفكر أحد من الكتّاب الغربيين بطبيعة الحال في أن يقول للأفارقة: إن تجارة الرقيق كانت رائجة في أوروبا بواسطة تجار اوربيين تخصصوا في جلب العبيد من غرب إفريقيا لبيعهم إلى السادة في بلادهم، ولم يصف أحد منهم الطريقة البشعة التي كانوا يحملونهم بها ويشحنونهم شحناً في سفنهم، ولسنا في حاجة إلى وصفها هنا، لأنها أمر معروف ومعاد .. ولم يفته أن يشير في هذا الكتاب بأن التجار العرب والمسلمين لم يشتركوا من قريب أو من بعيد في الاغارات التي كانت تقع في الغابات لاقتناص العبيد وصيدهم (15). ثالثاً: ربط تاريخ الإسلام بالتجارة في شرق إفريقيا:- يذكر ترمنجهام في هذا الجانب: أن تاريخ الإسلام في شرق إفريقيا يرتبط بالمحيط الهندي أكثر من أرتباطه بتاريخ القارة الإفريقية نفسها ، ذلك أن الذين حملوا الإسلام إلى تلك المنطقة هم التجار الذين وفدوا عن طريق المحيط الهندي واستوطنوها، لا سيما وأن المنطقة كانت غنية بالموارد الطبيعية والبشرية، ثم كونوا بامتزاجهم بعضهم ببعض من ناحية، وبامتزاجهم بالإفريقيين من ناحية أخرى، شعباً جديداً له خصائصه وحياته الثقافية، ثم أصبحت له بعد ذلك حضارته التي نعرفها الآن بالحضارة السواحيلية .. ويعنينا هنا أساساً استكشاف العوامل التاريخية التي نستدل منها على تأثير الإسلام في تشكيل الحياة الاجتماعية السواحيلية. والثانية: والتي أطلق عليها اسم الفترة الشيرازية ، نسبة إلى مدينة شيراز الإيرانية ، والتي انتهت بتكوين مجموعات صغيرة على الساحل ، وفي جذر القمر ، وهناك أقامت نمطاً من الثقافة الإسلامية، واستمرت حتى قدوم الاستعمار البرتغالي. أما الثالثة: فهي التي أعقبت انهيار الاستعمار البرتغالي، حيث ازداد النفوذ العمالي ، وأنشئت دولة زنجبار مما أدي إلى ازدياد النفوذ الإسلامي الآسيوي، وبروز المذهب الشافعى ، إضافة إلى المذاهب الدينية الأخرى. وقد ادى تزاوج العرب والفارسيين –على قلة عددهم مع نساء البانتو إلى خلق شعب جديد هم السواحليون الذين أصبحت لغتهم هي اللغة الشائعة فى ساحل شرق افريقيا. وقد أدى تجمه هؤلاء التجار فى المدن الساحلية إلى تكوين مراكز ثقافية فى كلوا وممبسا وتنجانيقا وسوفالا ودار السلام .. ومنها انطلق الإسلام إلى داخل القارة. ويذكر ترمنجهام أن السبب فى تغلغل الإسلام إلى الداخل هو استقرار سلطة عمان على زنجبار وسيطرتها على الساحل ، حيث قامت عدة مزارع عربية مما أدى بدوره إلى استقرار الأوضاع فى للقبائل المجاورة من تانجا حتى الجنوب ، فبدأ الإسلام يشق طريق إلى قبائل الديجو Digo وقبائل الزارامو والقبائل التي تقيم حول دلتا نهر روفيجى Rofiji وأصبح للزعماء المحليين فى الأقاليم الجبلية القريبة من الطرق التجارية نفوذ واسع بسبب تعاونهم مع التجار المسلمين، وبذلك نجد أن انتشار الإسلام فى شرق افريقيا قد اقترن بالتجارة منذ دخوله الأول وحتى يومنا هذا. رابعاً:- المقارنة بين انتشار الإسلام فى شرق افريقيا وغربها تحدث ترمنجهام عن انتشار الإسلام ووسائله فى شرق القارة وفى أثناء ذلك أجرى مقارنة مهمة بين انتشاره فى شرقها وغربها فقال : برغم أن سكان شرق افريقيا كانوا اكثر قرباً للبقعة التى ولد الإسلام فيها، وعلى صلة بجنوب الجزيرة العربية والخليج الفارسى بسبب العلاقات التجارية، فان تغلغل الإسلام وتأثيره كان اضعف بكثير منه فى السودان جنوب الصحراء (غرب افريقيا) والمسلمون فى ساحل شرق افريقيا ما زالو حتى هذا القرن (العشرون) يعيشون فى الظروف الاقتصادية التي خلقتها الملاحة فى المحيط فى القرون الماضية، وقد عنى تاريخهم بحكام الموانى التجارية وبعلاقاتهم الداخلية، ومنازعاتهم وصلاتهم بالجزيرة العربية، وباقامة مجتمع جديد، وبذلك فان الإسلام في شرق إفريقيا ظل يحمل كثيراً من صفات الديانة الأجنبية. وأما فى غرب افريقيا فان انتشار الإسلام يرجع فى المقام الاول الى التجارة والدعوة له بواسطة التجار الأفارقة، ولقد كانت هنالك مرحلتان تأثر بهما الاهالى فى غرب القارة هما: -الأولى: دخوله في بناء المجتمع السوداني التقليدي كدين لطبقة او فئة معينة من الشعب. - والثانية: انتشاره عن طرق الجهاد أيام غلبة رجال الدين الأفارقة. بينما فى شرق إفريقيا لم نجد اياً من هاتين المرحلتين وذلك لسببين رئيسيين: الأول: طبيعة المسلمين الساحليين وتفكيرهم وشعورهم بجنسهم العربي، فهم في مستوطناتهم كانوا دائماً يتجهون بأنظارهم صوب البحر الذي يأتي عبره المهاجرون من الاراضى التى تربطهم بها روابط عائلية وثقافية وتجارية فلم تنشا بينهم وبين الداخل صلات مباشرة ولم يقيموا طرقاً للقوافل، وبالتالي يخلقوا مراكز للتسويق، وعلى الساحل كونوا مجتمعاً إفريقياً إسلامياً نما عن طريق استيعاب الأفراد، ثم أنشأ المهاجرون الآسيويون مجتمعات منفصلة ولم يتوسط هؤلاء وهؤلاء مجتمع إفريقي يمكن عن طريق إثبات أن اعتناق بعض المذاهب الإسلامية لا يؤدى إلى تمزيق المجتمع، ولم يقم أي من العرب الشافعيين أومن مجموعات الاباضية أو الشيعة بأي دعاية بين البانتو، ولم يبدأ انتشار الإسلام فى الداخل إلاّ فى القرن الماضي (أي التاسع عشر) عندما بدأت القوافل تسير هناك، وكان انتشاره يتم تحت الظروف التي سادت فى أيام الحكم الأوروبي. وبهذا يرى ترمنجهام أن طبيعة الساحليين بتكوينهم القبلي وتمركزهم في الساحل واهتمامهم بتجارتهم البحرية لم تمكنهم من التوغل داخل إفريقية الشرقية وظلوا في سواحلهم حتى مجيئ الأوربيين في القرن التاسع عشر, فقاموا بشق الطرق إلى داخل القارة وفرضوا الأمن والاستقرار, فأستغل المسلمون هذا المناخ الجديد ونشروا الإسلام في الداخل بعد أن توغلوا بقوافلهم التجارية ودعاتهم,وبذلك يكون الاستعمار قد خدم الإسلام والمسلمين في شرق إفريقيا دون قصد منه, بينما الأمر في غرب إفريقيا يبدو مختلفاً حيث أعتنق الأفارقة الإسلام وقادوا الدعوة بأنفسهم في شكل تجار ودعاه. أما السبب الثاني فيعود إلى طبيعة مجتمعات البانتو الساحليون, والذين يعيشون منتشرين في كفور عائليه متناثره, وليس في قرى بالمعنى المفهوم كما غرب أفريقية, فمثلاً نرى العادة بين قبائل النييكا Nyika أن الرجل عندما يتزوج يبني بيتاً في مزرعته أو بالقرب منها , كما إنه يشيد لكل زوجه جديدة بيتاً آخر عند كل زواج, وبالتالي تربط الصلات العائلية سكان كل مجموعه من هذه المجموعات التي تقوم بجوار المزارع, ويكونون مجتمعات محليه لإفريقيا. ولقد كان التنظيم السياسي في الجزء الأقرب إلى الساحل أبسط منه عند البانتو الذين يعيشون في داخل بعيداً عن الساحل, فلم تدوم عندهم الأسر الحاكمة طويلاً, ولم يكن لديهم دول أو مدن بالمعنى المعروف, ولم يكونوا قبائل تجاريه كما هو الحال في غرب أفريقيا. بينما نجد في غرب إفريقيا قبائل تجاريه كاندينجو والبرتو, والهوسا... إستطاعوا أن يكونوا دولاً كبرى, واستطاعت أن تنشر الإسلام في ربوع القارة بين النيل والنيجر, وأن يقيموا مدناً أصبحت مراكز علميه كبرى لا تقل أهميه عن مدن شمال إفريقيا مثل تنبكت وجني وكوكه وكانو والفاشر وسنار ... وذلك قبل غزو الاستعمار الأوربي للقاره الإفريقية بقرون عديدة. ولهذا يلاحظ أن ترمنجهام قد فضل الحديث عن انتشار الإسلام في شرق أفريقيا عقب قيام الحكم الأوربي فيها وإلغاء تجارة الرقيق, حيث حدث تغيير كبير واستقرت الأوضاع فأخذ الإسلام ينتشر بسرعة من الساحل ومن المراكز التجارية التي كانت موجودة في الداخل وخصوصاً تنجانيقا, حيث ساعد انفتاحها والتخفيف من حدة القيود القبلية فيها على سرعة انتشاره. ومما ساعد في انتشار الإسلام بهذه السرعة أيضاً: تعامل الأوربيين مع المسلمين, فقد كان جميع العاملين في الإدارة الأوربية من موظفين ومترجمين ومرشدين وجنود وخدم من المسلمين, فأصبحت كل بقعه استوطن فيها أوربي , وكل معسكر حربي أو مركز حكومي, وكل مزرعة, مركزاً للإشعاع الإسلامي, كما كان الجنود الذين استخدموا في فتح المقاطعات, وفي بناء الجامعات, وكذلك الذين اشتركوا في البوليس والأمن في الداخل كانوا مسلمين وارتبطوا بالإدارة الجديدة. والنظام الذي أنشأته الحكومة الألمانية في شرق أفريقيا, وهو نظام الولاة والعقدا, كان من العوامل المهمة التي ساعدت في انتشار الإسلام, ذلك أن هؤلاء كان معظمهم من المسلمين السواحيليين, لأن عدد الموظفين الألمان كان قليلاً, فأصبح المسلمون هم وسيله الاتصال بالإدارة, ومن هنا أخذ الزعماء والرؤساء وأتباعهم في التأقلم الظاهري ليأخذوا نفس طابع الأهالي المشتركين في البوليس والجندية والإدارة, وأخذ معلمو القرآن يقيمون في المناطق التي بها مراكز تجاريه أو أداره... وكان التجار جميعهم مسلمين وأصبحوا يستطيعون الآن التوطن في مقاطعة كانوا من قبل لا يستطيعون الوصول إليها, ولم يكن التجار من القائمتين بالدعوة ومع ذلك فإن مجرد وجود الإفريقي المسلم في مجتمع ما هو في ذاته من عوامل الدعوة.. والخلاصة أن الانفتاح من الساحل إلى الداخل كان من العوامل التي أدت إلى ذيوع الإسلام, والأهم من ذلك أن الكثير من سكان الداخل استفادوا من حرية التنقل, بعد أن عرفوا النقود في معاملاتهم الاقتصادية فتركوا مواطنهم الأصلية للعمل في المراكز الجديدة ومزارع الألمان وخصوصاً عناصر الإيرمبا والينامويرى, فعادوا إلى مناطقهم مسلمين. وكان انتشار السواحيلية كلغة مشتركه عاملاً هاماً في تسهيل التخاطب والاتصال والدعوة, حيث جعلها الألمان اللغة الرسمية في المنطقة كلها. هكذا أعطانا ترمنجهام صورة حيه لحركة الإسلام في شرق افريقيا, وهذه النصوص إلا مقتطفات من ذلك السفر الكبير الذي يحتاج من العاملين في حقل الدعوة الإسلامية إلى الإطلاع والتمعن في عباراته ومدلولاته . (3) هوبير ديشامب Hobeer Deshap احد أركان الاستعمار الفرنسي فى افريقيا، فقد كان حاكماً للمستعمرات الفرنسية بإفريقيا الغربية لسنوات طويلة فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر وشاهد بنفسه تقدم الإسلام وانتشاره فى منطقة غرب افريقيا، فكتب عن ذلك بشئ من الموضوعية، فتناول تاريخ الإسلام ووسائل انتشاره، وأوضح بشكل واقعي حركة الإسلام الكبرى التي شهدتها القارة الإفريقية خلال القرن التاسع عشر من خلال تلك الحركات الإسلامية التي تفجرت لمقاومة الاستعمار الأوروبي وجمع كل ذلك فى كتاب سماه الديانات فتحدث عن دخول الإسلام فى افريقيا بقوله: " لم يقف إي حاجز أمام زحف الإسلام بإفريقيا، فقد كان انتشر بالشمال فى وقت مبكر ، ثم تخطى الصحراء وزحف خلفها، وعبر من الجزيرة العربية للساحل الشرقي منذ عصره الأول، وتخطى هذا الساحل إلى المناطق الداخلية إلى كينيا وتنجانيقا، واقتحم نطاق الغابات فى قلب افريقيا، ونفذ إلى هضبة البحيرات وتدفق إلى الهضبة الحبشية وانتشر على طول الساحل الغربي ودخل جنوب افريقيا مع المهاجرين المسلمين من سكان شبه القارة الهندية وماليزيا ولا زال ينتشر حتى اليوم إلى أفاق جديدة(20). وقد أكد ديشامب فى تناوله لانتشار الإسلام بأنه انتشر عن طريق الدعوة، ولم يمارس المسلمون إي عنف كما يدعى الكثيرون، وفى ذلك يقولون "أن انتشار دعوة الإسلام بإفريقيا لم تقم على القسر وإنما قامت على الإقناع الذي كان يقوم به دعاة متفرقون لا يملكون حولاً ولا طولاً إلا إيمانهم العميق بدينهم، وكثيراً ما انتشر الإسلام بالتسرب السلمى البطئ من قوم إلى قوم، فكان إذا ما اعتنقته الطبقة الأرستقراطية وهى هدف الدعاة الأول، تبعتها بقية القبيلة (21) " وفى حديثه عن وسائل انتشار الإسلام ذكر من بينها: أن الإسلام دين فطرة بطبيعته ، سهل التناول لا لبس ولا تعقيد في مبادئه, سهل التكيف والتطبيق في مختلف الظروف , ووسائل الانتساب إليه أيسر وأيسر , إذ لا يطلب من الشخص لإعلان إسلامه سوى النطق بالشهادتين حتى يصبح في عداد المسلمين .. وقد حبب الإسلام إلى الإفريقيين مظاهره الجميلة البعيدة عن التكلف , مثل الثوب الفضفاض . والمستحبه والكتابة العربية , والوقار الديني , وشعائر الصلاة , مما يضفي على الإسلام مكانة مرموقة وجاذبية ساحرة , فالذي يدخل الإسلام يشعر بأنه أصبح شخصية محترمة , وأنه قد ازداد من القوة والحيوية ..(1) ولهذه الأسباب وغيرها شهد الإسلام حركة نشاط ضخم بالسودان الغربي أيام كان هوبير دشامب حاكماً عليها , فكتب عن هذه الحركة وصداها ونتائجها حيث قال: (( أخذ الإسلام في الاتساع بشكل ملحوظ بين قبائل وثنية دأبت على مقاومته زمناً طويلاً مثل فبيلة"موش" وقبائل أخرى فى جنوب مستعمرة نيجيريا، ومن جهة أخرى نشاهد فى بلاد السنغال وغينيا وهى بلاد إسلامية اتجاهاً من الطرق الدينية إلى اقتباس النظام الاشتراكي الزراعي السائد بين طائفة المريدين . ثم يواصل حديثه عن مظاهر ذلك النشاط وعلاقته بالعالم الاسلامى فيقول ولكن ابرز المظاهر وأقواها ذلك النشاط العظيم الذي دب فى أوصال العالم الاسلامى وحركة التجديد التى سرت فى كيانه، فقد هب رجاله وعلماؤه ونادوا بوجوب تطهير الدين من الشوائب والبدع الدخيلة عليه‘ وقد بدأت تلك الحركة فى سوريا والبلاد العربية الاخرى، وقامت مصر بنشرها وإذاعتها، فوصل صداها إلى اقاصى أرجاء السودان الغربي وبنية شعوبها العريقة فى الإسلام، فأيقظ فيها الوعى الديني، وخاصة حيث توجد الطبقات المستنيرة من المسلمين، وقصدت أفواج من طلبة نيجيريا ومستعمرة(نيجر) إلى الجامع الأزهر فى مصر ، فتعلموا اللغة العربية ولقنوها أبناءهم، فاصبحت لغة التخاطب بينهم، واشتدت أواصر الصلات بين منطقة تشاد وبين مصر والسودان الفرنسى، وأسست مدرسة دينية فى مدينة "ابشى" فى ودّاى وقد تحولت اليوم إلى كلية إسلامية وعن انتشار اللغة العربية مع انتشار الإسلام فى ربع افريقيا الغربية يقول هوبير ديشامب. وسارت حركة الإصلاح الإسلامي جنباً إلى جنب مع انتشار اللغة العربية ببلاد السودان بفضل سهولة المواصلات، وأساليب الداعية التي تتبعها الدول الشرقية، وكان من نتائج ذيوعها وتأثيرها ذلك الاقتراح الذي تقدمت به الجمعية الوطنية فى السنغال، وطلبت فيه إن تكون اللغة العربية لغة إجبارية فى برامج الدراسة. واعتبر ديشامب هذا الاقتراح بأنه خطير ويدل على مدى انتعاش الحركة التقدمية للإسلام بين الشعوب الزنجية، وتنبئ بما سيكون لها من أثار بعيدة المدى فى الخطط المرسومة لحكم المستعمرات بخاصة، والسياسة الدولية بوجه عام (22). وهكذا اعتبر ديشامب انتشار الإسلام مع اللغة العربية فى افريقيا يشكلان اخطر مهدد لخطط الاستعمار المستقبلية فى افريقيا وهو دليل واضح على مدى اثر الإسلام فى هذه البلاد. ثم يتحدث هوبير ديشامب باسلوب واضح وجلي عن اثر انتشار الإسلام فى حياة الإفريقيين وفي سلوكياتهم فيقول: " وعرف الإفريقيون في الاقتصاد، حق الفقير في مال الغني، ونظام بيت المال ، ورد الأمانات إلى أهلها، كما عرفوا في الآداب الدينية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتزموا بترك المحرمات وأداء الصلوات، وعرفوا في الآداب الاجتماعية اللباس الفضفاض والعمامة والقلنسوة، واهتموا بالنظافة اهتماماً كبيراً، والتزموا بمراسم الوفاء، وعلا شأن المرأة ، فمارست حقوقها بانطلاق وحرية، وتغلغلت الشريعة الإسلامية شيئاً فشيئاً في المجتمع القبلي بفضل الأحكام الشرعية التي كان يصدرها رجال القضاء الإسلامي في تلك البلاد ويقرر هوبير ديشامب: أن كبار المشايخ وأفذاذ العلماء كانوا في منتهي الاستقامة والمعرفة بقواعد الإسلام، فكانوا لا يدّعون لأنفسهم كرامات أو خوارق، وكانوا على فضلهم وسعة علمهم لا تعدو علاقة الواحد منهم بمريديه علاقة
|
بحـث
المواضيع الأخيرة
بحـث
المواضيع الأخيرة
ازرار التصفُّح
ازرار التصفُّح
التبادل الاعلاني
التبادل الاعلاني
انتشار السلام فى افريقيا
yusuf- مساعد المدير
- عدد المساهمات : 436
نقاط : 929
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 16/10/2009
العمر : 35
الموقع : copyman_yusuf@yahoo.com
- مساهمة رقم 1
الأربعاء يونيو 22, 2016 6:44 pm من طرف khaled
» القضاء الاداري يصدر حكما بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية
الثلاثاء يونيو 21, 2016 5:25 pm من طرف khaled
» جبتلكو سلسلة رويات رجل المستحيل المعروفة للتحميل المباشر
الإثنين ديسمبر 28, 2015 5:53 pm من طرف abazer
» العلاقات المصرية السودانية في عهد محمد علي وخلفاؤه
الجمعة يناير 17, 2014 10:28 am من طرف khaled
» انجولا وحظر الاسلام (1)
الخميس نوفمبر 28, 2013 12:21 pm من طرف Ibrahimovech
» التفسير الاقتصادي للتاريخ
الأربعاء يونيو 19, 2013 1:34 am من طرف khaled
» كرسي العناد ........ السلطة سابقا
الثلاثاء يناير 29, 2013 5:56 pm من طرف khaled
» جمهورية جزر القُمر الاسلامية الفيدرالية دراسة جغرافية
الأحد يناير 06, 2013 2:21 am من طرف khaled
» بعض الفروق السياسية بين المجلس العسكري الي حكم مصر بعد الثورة وبين الاخوان لما وصلوا للحكم
الأربعاء نوفمبر 28, 2012 6:14 pm من طرف khaled