مقدمة
لقد كانت حركة الكشوف الجغرافية، حركة بشرية امتدت من أوربا عبر البحار لتطوف العالم مدفوعة بدوافع دينية، وتجارية، وفي بعض الأحيان علمية، كما أنها كانت مشمولة برعاية سياسية من قِبلِ ملوك الأمم الأوروبية، وتشجيعٍ لهم بل ودعمهم، في أغلب الأحيان إن لم يكن كلها، وكان للرحلات أهداف عدة، تُحددها وترسم خطط تحقيقها تلك الفئات التي تقف وراء قيام الرحلة، ومدها بما تحتاجه من بحارة ومتاع وأموال وسلاح للحماية، ولقد كان الطابع السائد على الرحلات الجغرافية، طابع ذا توجه ديني وتجاري، مُمِهدًا بذلك للاستعمار السياسي، وقلما كان التوجه العلمي هو الطابع الذي يوسم قيام هذه الرحلات.
ولقد كانت البحار ميدانًا للرحّالة، ومجالاً لرحلاتهم، من أجل ذلك أسهم طموحهم في عبور البحار والوصول إلى البلدان الأخرى، أسهم ذلك في تقدم علوم البحار وصناعة السفن، كما أسهم أيضًا في تقدم العلوم الفلكية.
كما أن للكشوف الجغرافية، آثار ونتائج على البشرية، منها العلمي النافع، والحضاري المفيد، وفي اغلبها استغلالي ضار، وانتهازي قد تجرد من كل قيم الإنسانية والأخلاق، ولم يتورع عن تنفيذ أبشع الجرائم، واللجوء إلى إبادة شعوب وأمم بأكملها من أجل تحقيق أهدافه المادية الاستعمارية.
وفيما يلي سرد تاريخي موجز، عن "حركة الكشوف الجغرافية وقيام الاستعمار"، نذكر من خلال هذا السرد أسباب قيام حركات الكشوف الجغرافية في أوروبا، ونذكر أهم الدول الأوروبية التي أسهمت في قيام حركة الكشوف الجغرافية، وأين اتجهت كل دولة لتحقيق أهدافها الاستعمارية، وما هي السياسة التي اتبعتها كل دولة في تحقيق ذلك، كما سنورد نُبذة مبسطة عن أهم الرحالة الأوروبيين، الذين كانت لهم إسهاماتهم في مجال الكشوف الجغرافية، وفي النهاية نورد بإيجاز أهم نتائج حركات الكشوف الجغرافية على المجال الاقتصادي والسياسي والثقافي، متمنين في النهاية بأن نكون قد قدمنا إضافة للقارئ العزيز، تُسهم في زيادة ثروته التاريخية زيادة نوعية من حيث صحة وسلامة المعلومات التاريخية، وحسن تسلسلها وتنسيقها.
أسباب قيام حركات الكشوف الجغرافية:
تناولت كتب التاريخ، أهم أسباب قيام حركات الكشوف الجغرافية، ولقد أوردت الكثير منها، وذلك بالاعتماد على المصادر التاريخية لدول الاستعمار، واعتقد أن في ذلك جناية على الشعوب المُستعمرَة، إذ أنها بذلك تُظلم مرتين، مرة بفعل المُستعمرين لبلادهم، ومرة أخرى عند تم إقصائهم من عملية تحليل حركات الكشوف الجغرافية، وتدوين تاريخها، ولقد وجدت من خلال إطلاعي البسيط، العديدَ من الأسباب التي لا يمكن تصنيفها كأسباب موضوعية لقيام حركات الكشوف الجغرافية، لذا فقد قسمت أسباب قيام حركات الكشوف الجغرافية إلى قسمين اثنين، الأول منها يذكر الأسباب الموضوعية المنطقية لقيام هذه، أما القسم الثاني ففيه بيان لبعض الحجج الواهية والتي ساقها المؤرخون الأوروبيون لتبرير استعمار بلدانهم للشعوب الضعيفة واستغلال ثرواتهم.
أولاً: الأسباب الموضوعية:
1- الدافع الديني:
لاشك أن الدافع الديني كان له أثره الفعّال أيضًا في نشاط المغامرات الاستكشافية، فقد كان الأوروبيون- وعلى الأخص الأسبان- تصلهم معلومات عن بلاد يستطيعون جعلها ميدانًا للتبشير بالمسيحية الكاثوليكية،والتوغل فيها عن طريق الدين، وفي الوقت عينه كانت لهم أهداف انتقامية موجهة نحو المسلمين،كما فعلت البرتغال التي جعلت شعارها في هذه المرحلة ضرب قوة المسلمين في غرب أفريقيا. وفي الوقت عينه حازت حركة الكشوف الجغرافية على رعاية واهتمام البابوية، من تشجيع للملوك على دعم البحارة، ومدهم بما يحتاجونه من مؤن ورجال.
2- الدافع الاقتصادي:
من أهم الدوافع التي أوحت للأوروبيين بالاتجاه نحو الكشف عن تلك البلاد المجهولة والطرق البحرية الجديدة بين أوروبا والهند، فقد كانت أوروبا في حاجة شديدة إلى البهارات والتوابل التي كانت تستورد من الشرق، لكن هذه البضاعة لا تصل إلى الأوروبيين إلا بعد أن تمر في عدة احتكارات ترفع أسعارها وتُحدد كمياتها، وتجعلها في بعض الأحيان نادرة، فهم-أي الأوروبيين- يدفعون رسومًا جمركية فادحة يفرضها حكام مصر والشام،بالإضافة إلى احتكار تجار جمهورية البندقية نقل تلك البضائع من الموانئ السورية والمصرية إلى أوروبا.
لذلك سعت الدول الأوروبية إلى إيجاد طرق وسائل جديدة للتجارة، لا تخضع للسيطرة العربية، وذلك لتامين تجارتهم، والحصول على البضائع بأثمان منخفضة وبكميات كبيرة، وكذلك وهو الأهم منع استفادة البلاد العربية من مرور التجارة عبر أراضيها.
وهكذا اتجهت الدول الأوروبية إلى حل هذه المشكلة، ومن ذلك بأن يُقيموا محطات ومراكز تجارية للقوافل الأوروبية في الطريق من أوروبا على طول السواحل الإفريقية، مُمهدين بذلك لإيجاد طريق آخر يصلون من خلاله إلى الشرق، وقد تحقق لهم ذلك باكتشافهم لطريق رأس الرجاء الصالح، والذي قضى على الهيمنة العربية على التجارة العالمية المتجهة من الشرق إلى الغرب، وبذلك تحقق لهم هدفين:أولهما التخلص من احتكار العرب والبنادقة بالوصول إلى أسواق الشرق مباشرة،وثاني الأهداف يرمي إلى مهاجمة القوى الإسلامية والعربية.
كذلك فقد كانت أوروبا في حاجة إلى بعض المنتجات التي لا يُمكن توافرها، والتي تُعتبر من الضروريات في مجال الصناعة، ومن ثم فقد نشأت طبقة من التجار تعمل على إقامة شركات في مستعمرات دولهم، للقيام بتوفير هذه المنتجات بزراعتها إن كانت زراعية، أو استخراجها إن كانت مواد ومنتجات نفيسة، كما عملت هذه الشركات على ترويج بضائع دولهم من صناعات وغيرها في المستعمرات واستخدامها كسوق للتجار.
3- العثور على وطن جديد:
أدت الطفرات السكانية في أوروبا إلى حدوث خلل وعدم توازن فيما بين أعداد السكان والموارد الاقتصادية المتوافرة في تلك الدول، الأمر الذي نتج عنه زيادة بأعداد العاطلين عن العمل، واستهلاك للموارد المتوافرة على نحو كبير يؤدي إلى القضاء عليها، لذلك طُرحت الفكرة بان استعمار بعض البلاد الأخرى –خارج أوروبا- قد يُسهم بشكل كبير في تخفيف الأعباء من على كاهل البلدان الأوروبية، وهذا ما حدث فعلاًن وبقدر ما كان الامر إيجابيًا للأوروبيين، كان سلبيًا وأليمًا على السكان الأصليين للبلاد المُستعمرة، أو الأوطان الجديدة، إذ تم استغلال أراضيهم وأملاكهم، كما تم استغلالهم، واستعبادهم، لمصلحة وفي خدمة أولئك الذين قَدِموا عبر البحار.
كما يجب عدم إغفال ما تعرض له الأوروبيون من اضطهاد، بسبب حركة الإصلاح الديني، وما ترتب على ذلك من حروب مُهلكة، دفعت بالكثيرين للفرار إلى مناطق بعيدة، وإيجاد أوطان جديدة.
4- نتائج عصر النهضة:
لقد أسهم عصرُ النهضة في غرس روح العلم والبحث والتنقيب، والسعي لاكتشاف الجانب الآخر من العالم، كما أسهم هذا العصر في تقدم مختلف نواحي العلوم في أوروبا، ومن بينها العلوم البحرية والفلكية، والتي أدت إلى تكوين الأساطيل البحرية القوية، وبناء قاعدة بيانات علمية يُعتمد عليها في تنظيم مسار الرحلات البحرية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تشجيع قيام حركات الكشوف الجغرافية والاستعمار.
5- الخرافات والأساطير:
في أثناء العصور الوسطى كانت معرفة الأوروبيين بالعالم الخارجي ضئيلة ولا تتجاوز معرفة السواحل الشمالية من قارة أفريقيا،وكان الاعتقاد السائد أن حدود العالم لا تتجاوز الصحراء الكبرى. وان المحيط الأطلسي يمتد إلى مالا نهاية وانه مأوى للوحوش والشياطين،كما ساد الاعتقاد بوجود صخور في البحر تجذب إليها السفن إذا ما اقتربت منها،وان لها القدرة على إغراق هذه السفن.
ما من شك في أن هذه التصورات كانت خاطئة،وما هي إلا عبارة عن خرافات اشتملت على عنصر التخويف،إلا أنها في الوقت عينه كانت تحتوي على عنصر التشويق،الذي شجع المغامرين على القيام بتلك المغامرات في تلك البحار من اجل الوصول إلى المجهول،خاصة أن هذه الخرافات التي كانت سائدة في العصور الوسطى كانت تَعِدُ هؤلاء المغامرين بالجبال التي تشع منها أنوار الأحجار الكريمة وبالأنهار التي تجري على أرضٍ من ذهب.
ثانيًا: الذرائع والتبريرات:
1- النزعة القومية:
يبرر الأوروبيون قيام حركات الكشوف الجغرافية، بأنه كانت في أوروبا-بعد عصر النهضة- فكرة مفادها، أن بقاء الأمة متقدمة ومتفوقة على الصعيد العالمي مرتبط بقدر ما تملكه هذه الأمة من مستعمرات، لذا سعت الدول الأوروبية مدفوعة بشعور قومي إلى استعمار بلدان أخرى من دول العالم، كما إنهم يُبررون هذا الاستعمار، بأن الدول الأوروبية عندما ذهبت لتستعمر بلدان العالم، لم تجد أمم تستطيع مُجابهتها وردها، ومنعها من تحقيق أهدافها، ولكنها وجدت بدلاً من ذلك أممًا جاهزة ومُهيأة لاستعمار، وذلك بسبب انتشار الجهل والتخلف في هذه الدول بكافة مناحي الحياة.
ولكن التاريخ أثبت بطلان ما ذهبت إليه هذه الآراء، فقد كان من الأجدى بالأمم الأوروبية، كي تضمن كل منها التقدم والازدهار، كان عليها أن تتخذ عددًا من الإجراءات والخطط، على مستوى حدودها الإقليمية، وذلك بأن تستغل مواردها على الوجه الأمثل، والحد من الاستيراد، وزيادة الصادرات والعمل على الاكتفاء الذاتي.
كما أن تبريرهم الواهي بأن هذه الشعوب-أي المُستعمَرَة- كانت غارقة في بحر من الجهل والتخلف، وأنها كانت ضعيفة إلى الحد الذي يسمح باحتلالها واستعمارها، كذلك فقد أثبت التاريخ عدم صحة هذا الكلام، حيث قضى الأسبانُ حين وصولهم إلى أمريكا الشمالية، وبالتحديد إلى المكسيك، لقد قاموا بالقضاء على أعظم الحضارات في العالم الجديد، وهي حضارة الأزتك، كما أن البرتغاليين قاموا بالقضاء على دول وممالك إفريقية عدة، بغية تحقيق هدفهم، بالوصول إلى الهند، حيث الكنوز.
كما أن تلك الشعوب لم ترحب بالاستعمار، ولم تكن مُهيأة له كما يقولون، فقد قاوم شعوب هذه الدول الغزاة، وحاولوا طردهم، ولكن الكفة رجحت للأوروبيين، فقط لأنهم كانوا يمتلكون أسلحة أكثر تقدمًا من تلك التي بحوزة الشعوب المُحتلَة.
2- نشر الحضارة:
استخدم الأوروبيون هذه الذريعة الواهية، وهي نشر الحضارة في غير بلاد الحضارة، كي يُبروا احتلالها واستعمارها، وسلب ممتلكاتها.
فقد برر الأوروبيون الاحتلال والاستعمار الاسباني، بأنها كانت تسعى إلى نشر الكاثوليكية بشكلها الصحيح في البلاد المُستعمرة، من اجل ذلك كانت الملكة إيزابيلا تدعم كولومبس في رحلاته.
كذلك استخدم الفرنسيون، وغيرهم التبريرَ ذاته في احتلال شعوب العالم، وبخاصة بالنسبة للفرنسيين، في أعقاب قيام الثورة الفرنسية عام 1789م، وكانت مصر من أولى البلاد العربية، التي احتلها الفرنسيون تحت ظل هذا التبرير، وهو نشر الحضارة في البلاد، والقضاء على الجهل والتخلف.
ولنا أن نتساءل، إن كان هدفهم هو نشر الحضارة في غير بلاد الحضارة، فما الذي دعاهم إلى المُقام والبقاء في هذه الدول طيلة هذه الأعوام، بل القرون، وما الذي دعاهم إلى نهب خيرات هذه البلاد إن كان هدفهم هو نشر الحضارة ليس إلا.
نعم، لقد كان هذا التبرير مجرد ستار، يستخدمه المستعمرون لاحتلال البلدان، واستعباد شعوبها، وسلب ممتلكاتها وخيراتها.
3- القضاء على الإرهاب والتطرف:
لقد لجأت الدول الأوروبية والغرب بشكل عام في القديم والحديث، إلى هذا التبرير، كي تُسبغ على تدخلها العسكري والسياسي في شؤون الدول الأخرى طابع الرحمة، والحفاظ على المكتسبات الإنسانية للضعفاء، ولكي تمنع حدوث الإبادات الجماعية للأقليات على يد الأغلبية.
ولقد استخدموه في وقتنا الحالي، في كل من أفغانستان والعراق ودار فور في السودان، وذلك كما قلت لتبرير احتلالهم واستعمارهم للبقاع المختلفة من العالم الإسلامي حيث تتواجد مكامن القوة والطاقة، والعقليات البشرية الفذة.
ويشهد العالم يومًا بعد يوم، مدى ما تتعرض له الشعوب من صنوف الآلام والعذاب، نتيجة لهذه التدخلات السافرة في مصائرها من قبل المستعمرين.
الجزء القادم إن شاء الله
سيتحدث عن البرتغال، حركاتها الكشفية، واستعمارها، وأبرز رواد البحار فيها
لقد كانت حركة الكشوف الجغرافية، حركة بشرية امتدت من أوربا عبر البحار لتطوف العالم مدفوعة بدوافع دينية، وتجارية، وفي بعض الأحيان علمية، كما أنها كانت مشمولة برعاية سياسية من قِبلِ ملوك الأمم الأوروبية، وتشجيعٍ لهم بل ودعمهم، في أغلب الأحيان إن لم يكن كلها، وكان للرحلات أهداف عدة، تُحددها وترسم خطط تحقيقها تلك الفئات التي تقف وراء قيام الرحلة، ومدها بما تحتاجه من بحارة ومتاع وأموال وسلاح للحماية، ولقد كان الطابع السائد على الرحلات الجغرافية، طابع ذا توجه ديني وتجاري، مُمِهدًا بذلك للاستعمار السياسي، وقلما كان التوجه العلمي هو الطابع الذي يوسم قيام هذه الرحلات.
ولقد كانت البحار ميدانًا للرحّالة، ومجالاً لرحلاتهم، من أجل ذلك أسهم طموحهم في عبور البحار والوصول إلى البلدان الأخرى، أسهم ذلك في تقدم علوم البحار وصناعة السفن، كما أسهم أيضًا في تقدم العلوم الفلكية.
كما أن للكشوف الجغرافية، آثار ونتائج على البشرية، منها العلمي النافع، والحضاري المفيد، وفي اغلبها استغلالي ضار، وانتهازي قد تجرد من كل قيم الإنسانية والأخلاق، ولم يتورع عن تنفيذ أبشع الجرائم، واللجوء إلى إبادة شعوب وأمم بأكملها من أجل تحقيق أهدافه المادية الاستعمارية.
وفيما يلي سرد تاريخي موجز، عن "حركة الكشوف الجغرافية وقيام الاستعمار"، نذكر من خلال هذا السرد أسباب قيام حركات الكشوف الجغرافية في أوروبا، ونذكر أهم الدول الأوروبية التي أسهمت في قيام حركة الكشوف الجغرافية، وأين اتجهت كل دولة لتحقيق أهدافها الاستعمارية، وما هي السياسة التي اتبعتها كل دولة في تحقيق ذلك، كما سنورد نُبذة مبسطة عن أهم الرحالة الأوروبيين، الذين كانت لهم إسهاماتهم في مجال الكشوف الجغرافية، وفي النهاية نورد بإيجاز أهم نتائج حركات الكشوف الجغرافية على المجال الاقتصادي والسياسي والثقافي، متمنين في النهاية بأن نكون قد قدمنا إضافة للقارئ العزيز، تُسهم في زيادة ثروته التاريخية زيادة نوعية من حيث صحة وسلامة المعلومات التاريخية، وحسن تسلسلها وتنسيقها.
أسباب قيام حركات الكشوف الجغرافية:
تناولت كتب التاريخ، أهم أسباب قيام حركات الكشوف الجغرافية، ولقد أوردت الكثير منها، وذلك بالاعتماد على المصادر التاريخية لدول الاستعمار، واعتقد أن في ذلك جناية على الشعوب المُستعمرَة، إذ أنها بذلك تُظلم مرتين، مرة بفعل المُستعمرين لبلادهم، ومرة أخرى عند تم إقصائهم من عملية تحليل حركات الكشوف الجغرافية، وتدوين تاريخها، ولقد وجدت من خلال إطلاعي البسيط، العديدَ من الأسباب التي لا يمكن تصنيفها كأسباب موضوعية لقيام حركات الكشوف الجغرافية، لذا فقد قسمت أسباب قيام حركات الكشوف الجغرافية إلى قسمين اثنين، الأول منها يذكر الأسباب الموضوعية المنطقية لقيام هذه، أما القسم الثاني ففيه بيان لبعض الحجج الواهية والتي ساقها المؤرخون الأوروبيون لتبرير استعمار بلدانهم للشعوب الضعيفة واستغلال ثرواتهم.
أولاً: الأسباب الموضوعية:
1- الدافع الديني:
لاشك أن الدافع الديني كان له أثره الفعّال أيضًا في نشاط المغامرات الاستكشافية، فقد كان الأوروبيون- وعلى الأخص الأسبان- تصلهم معلومات عن بلاد يستطيعون جعلها ميدانًا للتبشير بالمسيحية الكاثوليكية،والتوغل فيها عن طريق الدين، وفي الوقت عينه كانت لهم أهداف انتقامية موجهة نحو المسلمين،كما فعلت البرتغال التي جعلت شعارها في هذه المرحلة ضرب قوة المسلمين في غرب أفريقيا. وفي الوقت عينه حازت حركة الكشوف الجغرافية على رعاية واهتمام البابوية، من تشجيع للملوك على دعم البحارة، ومدهم بما يحتاجونه من مؤن ورجال.
2- الدافع الاقتصادي:
من أهم الدوافع التي أوحت للأوروبيين بالاتجاه نحو الكشف عن تلك البلاد المجهولة والطرق البحرية الجديدة بين أوروبا والهند، فقد كانت أوروبا في حاجة شديدة إلى البهارات والتوابل التي كانت تستورد من الشرق، لكن هذه البضاعة لا تصل إلى الأوروبيين إلا بعد أن تمر في عدة احتكارات ترفع أسعارها وتُحدد كمياتها، وتجعلها في بعض الأحيان نادرة، فهم-أي الأوروبيين- يدفعون رسومًا جمركية فادحة يفرضها حكام مصر والشام،بالإضافة إلى احتكار تجار جمهورية البندقية نقل تلك البضائع من الموانئ السورية والمصرية إلى أوروبا.
لذلك سعت الدول الأوروبية إلى إيجاد طرق وسائل جديدة للتجارة، لا تخضع للسيطرة العربية، وذلك لتامين تجارتهم، والحصول على البضائع بأثمان منخفضة وبكميات كبيرة، وكذلك وهو الأهم منع استفادة البلاد العربية من مرور التجارة عبر أراضيها.
وهكذا اتجهت الدول الأوروبية إلى حل هذه المشكلة، ومن ذلك بأن يُقيموا محطات ومراكز تجارية للقوافل الأوروبية في الطريق من أوروبا على طول السواحل الإفريقية، مُمهدين بذلك لإيجاد طريق آخر يصلون من خلاله إلى الشرق، وقد تحقق لهم ذلك باكتشافهم لطريق رأس الرجاء الصالح، والذي قضى على الهيمنة العربية على التجارة العالمية المتجهة من الشرق إلى الغرب، وبذلك تحقق لهم هدفين:أولهما التخلص من احتكار العرب والبنادقة بالوصول إلى أسواق الشرق مباشرة،وثاني الأهداف يرمي إلى مهاجمة القوى الإسلامية والعربية.
كذلك فقد كانت أوروبا في حاجة إلى بعض المنتجات التي لا يُمكن توافرها، والتي تُعتبر من الضروريات في مجال الصناعة، ومن ثم فقد نشأت طبقة من التجار تعمل على إقامة شركات في مستعمرات دولهم، للقيام بتوفير هذه المنتجات بزراعتها إن كانت زراعية، أو استخراجها إن كانت مواد ومنتجات نفيسة، كما عملت هذه الشركات على ترويج بضائع دولهم من صناعات وغيرها في المستعمرات واستخدامها كسوق للتجار.
3- العثور على وطن جديد:
أدت الطفرات السكانية في أوروبا إلى حدوث خلل وعدم توازن فيما بين أعداد السكان والموارد الاقتصادية المتوافرة في تلك الدول، الأمر الذي نتج عنه زيادة بأعداد العاطلين عن العمل، واستهلاك للموارد المتوافرة على نحو كبير يؤدي إلى القضاء عليها، لذلك طُرحت الفكرة بان استعمار بعض البلاد الأخرى –خارج أوروبا- قد يُسهم بشكل كبير في تخفيف الأعباء من على كاهل البلدان الأوروبية، وهذا ما حدث فعلاًن وبقدر ما كان الامر إيجابيًا للأوروبيين، كان سلبيًا وأليمًا على السكان الأصليين للبلاد المُستعمرة، أو الأوطان الجديدة، إذ تم استغلال أراضيهم وأملاكهم، كما تم استغلالهم، واستعبادهم، لمصلحة وفي خدمة أولئك الذين قَدِموا عبر البحار.
كما يجب عدم إغفال ما تعرض له الأوروبيون من اضطهاد، بسبب حركة الإصلاح الديني، وما ترتب على ذلك من حروب مُهلكة، دفعت بالكثيرين للفرار إلى مناطق بعيدة، وإيجاد أوطان جديدة.
4- نتائج عصر النهضة:
لقد أسهم عصرُ النهضة في غرس روح العلم والبحث والتنقيب، والسعي لاكتشاف الجانب الآخر من العالم، كما أسهم هذا العصر في تقدم مختلف نواحي العلوم في أوروبا، ومن بينها العلوم البحرية والفلكية، والتي أدت إلى تكوين الأساطيل البحرية القوية، وبناء قاعدة بيانات علمية يُعتمد عليها في تنظيم مسار الرحلات البحرية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تشجيع قيام حركات الكشوف الجغرافية والاستعمار.
5- الخرافات والأساطير:
في أثناء العصور الوسطى كانت معرفة الأوروبيين بالعالم الخارجي ضئيلة ولا تتجاوز معرفة السواحل الشمالية من قارة أفريقيا،وكان الاعتقاد السائد أن حدود العالم لا تتجاوز الصحراء الكبرى. وان المحيط الأطلسي يمتد إلى مالا نهاية وانه مأوى للوحوش والشياطين،كما ساد الاعتقاد بوجود صخور في البحر تجذب إليها السفن إذا ما اقتربت منها،وان لها القدرة على إغراق هذه السفن.
ما من شك في أن هذه التصورات كانت خاطئة،وما هي إلا عبارة عن خرافات اشتملت على عنصر التخويف،إلا أنها في الوقت عينه كانت تحتوي على عنصر التشويق،الذي شجع المغامرين على القيام بتلك المغامرات في تلك البحار من اجل الوصول إلى المجهول،خاصة أن هذه الخرافات التي كانت سائدة في العصور الوسطى كانت تَعِدُ هؤلاء المغامرين بالجبال التي تشع منها أنوار الأحجار الكريمة وبالأنهار التي تجري على أرضٍ من ذهب.
ثانيًا: الذرائع والتبريرات:
1- النزعة القومية:
يبرر الأوروبيون قيام حركات الكشوف الجغرافية، بأنه كانت في أوروبا-بعد عصر النهضة- فكرة مفادها، أن بقاء الأمة متقدمة ومتفوقة على الصعيد العالمي مرتبط بقدر ما تملكه هذه الأمة من مستعمرات، لذا سعت الدول الأوروبية مدفوعة بشعور قومي إلى استعمار بلدان أخرى من دول العالم، كما إنهم يُبررون هذا الاستعمار، بأن الدول الأوروبية عندما ذهبت لتستعمر بلدان العالم، لم تجد أمم تستطيع مُجابهتها وردها، ومنعها من تحقيق أهدافها، ولكنها وجدت بدلاً من ذلك أممًا جاهزة ومُهيأة لاستعمار، وذلك بسبب انتشار الجهل والتخلف في هذه الدول بكافة مناحي الحياة.
ولكن التاريخ أثبت بطلان ما ذهبت إليه هذه الآراء، فقد كان من الأجدى بالأمم الأوروبية، كي تضمن كل منها التقدم والازدهار، كان عليها أن تتخذ عددًا من الإجراءات والخطط، على مستوى حدودها الإقليمية، وذلك بأن تستغل مواردها على الوجه الأمثل، والحد من الاستيراد، وزيادة الصادرات والعمل على الاكتفاء الذاتي.
كما أن تبريرهم الواهي بأن هذه الشعوب-أي المُستعمَرَة- كانت غارقة في بحر من الجهل والتخلف، وأنها كانت ضعيفة إلى الحد الذي يسمح باحتلالها واستعمارها، كذلك فقد أثبت التاريخ عدم صحة هذا الكلام، حيث قضى الأسبانُ حين وصولهم إلى أمريكا الشمالية، وبالتحديد إلى المكسيك، لقد قاموا بالقضاء على أعظم الحضارات في العالم الجديد، وهي حضارة الأزتك، كما أن البرتغاليين قاموا بالقضاء على دول وممالك إفريقية عدة، بغية تحقيق هدفهم، بالوصول إلى الهند، حيث الكنوز.
كما أن تلك الشعوب لم ترحب بالاستعمار، ولم تكن مُهيأة له كما يقولون، فقد قاوم شعوب هذه الدول الغزاة، وحاولوا طردهم، ولكن الكفة رجحت للأوروبيين، فقط لأنهم كانوا يمتلكون أسلحة أكثر تقدمًا من تلك التي بحوزة الشعوب المُحتلَة.
2- نشر الحضارة:
استخدم الأوروبيون هذه الذريعة الواهية، وهي نشر الحضارة في غير بلاد الحضارة، كي يُبروا احتلالها واستعمارها، وسلب ممتلكاتها.
فقد برر الأوروبيون الاحتلال والاستعمار الاسباني، بأنها كانت تسعى إلى نشر الكاثوليكية بشكلها الصحيح في البلاد المُستعمرة، من اجل ذلك كانت الملكة إيزابيلا تدعم كولومبس في رحلاته.
كذلك استخدم الفرنسيون، وغيرهم التبريرَ ذاته في احتلال شعوب العالم، وبخاصة بالنسبة للفرنسيين، في أعقاب قيام الثورة الفرنسية عام 1789م، وكانت مصر من أولى البلاد العربية، التي احتلها الفرنسيون تحت ظل هذا التبرير، وهو نشر الحضارة في البلاد، والقضاء على الجهل والتخلف.
ولنا أن نتساءل، إن كان هدفهم هو نشر الحضارة في غير بلاد الحضارة، فما الذي دعاهم إلى المُقام والبقاء في هذه الدول طيلة هذه الأعوام، بل القرون، وما الذي دعاهم إلى نهب خيرات هذه البلاد إن كان هدفهم هو نشر الحضارة ليس إلا.
نعم، لقد كان هذا التبرير مجرد ستار، يستخدمه المستعمرون لاحتلال البلدان، واستعباد شعوبها، وسلب ممتلكاتها وخيراتها.
3- القضاء على الإرهاب والتطرف:
لقد لجأت الدول الأوروبية والغرب بشكل عام في القديم والحديث، إلى هذا التبرير، كي تُسبغ على تدخلها العسكري والسياسي في شؤون الدول الأخرى طابع الرحمة، والحفاظ على المكتسبات الإنسانية للضعفاء، ولكي تمنع حدوث الإبادات الجماعية للأقليات على يد الأغلبية.
ولقد استخدموه في وقتنا الحالي، في كل من أفغانستان والعراق ودار فور في السودان، وذلك كما قلت لتبرير احتلالهم واستعمارهم للبقاع المختلفة من العالم الإسلامي حيث تتواجد مكامن القوة والطاقة، والعقليات البشرية الفذة.
ويشهد العالم يومًا بعد يوم، مدى ما تتعرض له الشعوب من صنوف الآلام والعذاب، نتيجة لهذه التدخلات السافرة في مصائرها من قبل المستعمرين.
الجزء القادم إن شاء الله
سيتحدث عن البرتغال، حركاتها الكشفية، واستعمارها، وأبرز رواد البحار فيها
الأربعاء يونيو 22, 2016 6:44 pm من طرف khaled
» القضاء الاداري يصدر حكما بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية
الثلاثاء يونيو 21, 2016 5:25 pm من طرف khaled
» جبتلكو سلسلة رويات رجل المستحيل المعروفة للتحميل المباشر
الإثنين ديسمبر 28, 2015 5:53 pm من طرف abazer
» العلاقات المصرية السودانية في عهد محمد علي وخلفاؤه
الجمعة يناير 17, 2014 10:28 am من طرف khaled
» انجولا وحظر الاسلام (1)
الخميس نوفمبر 28, 2013 12:21 pm من طرف Ibrahimovech
» التفسير الاقتصادي للتاريخ
الأربعاء يونيو 19, 2013 1:34 am من طرف khaled
» كرسي العناد ........ السلطة سابقا
الثلاثاء يناير 29, 2013 5:56 pm من طرف khaled
» جمهورية جزر القُمر الاسلامية الفيدرالية دراسة جغرافية
الأحد يناير 06, 2013 2:21 am من طرف khaled
» بعض الفروق السياسية بين المجلس العسكري الي حكم مصر بعد الثورة وبين الاخوان لما وصلوا للحكم
الأربعاء نوفمبر 28, 2012 6:14 pm من طرف khaled